فيها ثلاثة أقوال :
الأول ـ أنها الخلف من المعطى ، قاله ابن عباس.
الثاني ـ أنها لا إله إلا الله ، قاله ابن عباس أيضا.
الثالث ـ أنها الجنّة ، قاله قتادة.
المسألة الخامسة ـ في المختار : كلّ معنى ممدوح فهو حسنى ، وكلّ عمل مذموم فهو سوأى وعسري ، وأول الحسنى التوحيد ، وآخره الجنة ، وكلّ قول أو عمل بينهما فهو حسنى ، وأول السوأى كلمة الكفر ، وآخره النار ، وكلّ ذلك مما يتعلق بهما فهو منهما ومراد باللفظ المعبّر عنهما.
واختار الطبري أنّ الحسنى الخلف ، وكلّ ذلك يرجع إلى الثواب الذي هو الجنة.
المسألة السادسة ـ قوله : (فَسَنُيَسِّرُهُ) ، يعنى نهيّئه بخلق أسبابه ، وإيجاد مقدماته ، ثم نخلقه بعد ذلك. فإن كان حسنا سمّى يسرى ، وإن مذموما سمى عسري ، والباري سبحانه خالق الكلّ ، فإن أراد السعادة هيّأ أسبابها للعبد وخلقها فيه ، وإن أراد الشقاء هيّأ أسبابه للعبد ، وخلقها فيه ، وذلك مروىّ أيضا عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم من طريق صحيحة ، يعضّد ما قامت عليه أدلة العقول ، ويعتضد (١) بالشرع المنقول ، منه ما روى عن علىّ : كنا في جنازة بالبقيع ، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فجلس ، وجلسنا ، ومعه عود ينكت به في الأرض ، فرفع رأسه إلى السماء فقال : ما [منكم] (٢) من نفس منفوسة إلا كتب مدخلها. فقلنا : يا رسول الله ، ألا نتّكل على كتابنا؟ فقال : بل اعملوا فكلّ ميسّر ، فأما من كان من أهل السعادة فإنه ييسّر لعمل أهل السعادة ، وأما من كان من أهل الشقاوة فإنه ييسّر للشقاء. ثم قرأ : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى ...) إلى قوله : (لِلْعُسْرى).
وسأل غلامان شابان رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقالا : العمل فيما جفّت به الأقلام ، وجرت به المقادير أم في شيء يستأنف؟ فقال : بل فيما جفّت به الأقلام وجرت به المقادير.
__________________
(١) في ا : وينتظم.
(٢) ليس في القرطبي.