الآية الثانية ـ قوله تعالى (١) : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى).
فيها ثمان مسائل :
المسألة الأولى ـ في سبب نزولها :
روى في ذلك روايات :
الرواية الأولى ـ عن أبى الدرداء ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : ما من يوم طلعت (٢) فيه شمسه إلا وبجنبتيها (٣) ملكان يناديان ، يسمعهما خلق الله كلّهم إلا الثقلين : اللهم أعط منفقا خلفا ، وأعط ممسكا تلفا. فأنزل الله تعالى في ذلك : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى).
الرواية الثانية ـ عن عامر بن عبد الله بن الزبير ، قال : كان أبو بكر يعتق على الإسلام بمكة ، وكان يعتق نساء وعجائز ، فقال له أبوه : أى بنى ، أراك تعتق أناسا ضعفاء ، فلو أنك أعتقت رجالا جلدا يقومون معك ، ويدفعون عنك ، ويمنعونك! فقال : أى أبت ، إنما أريد ما عند الله. قال : فحدثني بعض أهل بيتي أنّ هذه الآية نزلت فيه : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى).
المسألة الثانية ـ قوله : (مَنْ أَعْطى).
حقيقة العطاء هي المناولة ، وهي في اللغة والاستعمال عبارة عن كل نفع أو ضرّ يصل (٤) من الغير إلى الغير ، وقد بيناه في كتاب الأمد الأقصى وغيره.
المسألة الثالثة ـ قوله تعالى : (وَاتَّقى) ، وقد تقدم الكلام في حقيقة التقوى ، وأنها عبارة عن حجاب معنوي يتخذه العبد بينه وبين العقاب ، كما أن الحجاب المحسوس يتخذه العبد [مانعا] (٥) بينه وبين ما يكرهه.
المسألة الرابعة ـ قوله تعالى : (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى).
__________________
(١) الآيات من ٥ ـ ١٠.
(٢) في ش ، والقرطبي : غربت.
(٣) في ش : وبجنبيه.
(٤) في ا : يقبل.
(٥) ساقط من ا.