المسألة الثانية ـ أما (ق ص ر) فهو بناء ينطلق على مختلفات كثيرة ، ينطلق عليها انطلاقا واحدا. والمعنى مختلف في ذلك. والصحيح ما روى البخاري عن ابن عباس أنه قال : (تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ) قال : كنا نرفع الخشب بقصر ثلاثة أذرع أو أقل ، فنرفعه للشتاء ، فنسميها (١) القصر.
المسألة الثالثة ـ أما ادّخار القوت فقد تقدم القول فيه ، وأما ادخار الحطب والفحم فمستفاد من هذه الآية ، فإنه وإن لم يكن من القوت فإنه من مصالح المرء ، ومغانى مفاقره ، وذلك مما يقتضى النظر أن يكتسبه في غير وقت حاجته ، ليكون أرخص ، وحالة وجوده أمكن ، كما كان النبىّ صلّى الله عليه وسلم يدّخر القوت في وقت عموم وجوده من كسبه وماله ، ومن لم يكن له مال اكتسبه في وقت رخصة ، وكل شيء محمول عليه ، ولذلك قال (٢) العلماء فيمن وكّل وكيلا يبتاع له فحما فابتاعه له في الصيف ، فإن ذلك لا يجوز ، لأنه وقت لا يحتاج إليه فيه. وعندي أنه يلزمه ، لأنه الوقت الذي يبتاع فيه ليدّخره العبد لوقت الحاجة إليه ، إلا أن يقترن بذلك ما يوجب تخصيصه بحال ، فيحمل على ذلك المقتضى بالاستدلال.
الآية الثالثة ـ قوله تعالى (٣) : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ).
فيها أربع مسائل :
المسألة الأولى ـ الركوع معلوم لغة ، معلوم شرعا حسبما قررناه ، فلا وجه لإعادته كراهية التطويل.
المسألة الثانية ـ هذه الآية حجة على وجوب الركوع ، وإنزاله ركنا في الصلاة ، وقد انعقد الإجماع عليه ، وظنّ قوم أنّ هذا إنما يكون في القيامة ، وليست بدار تكليف ، فيتوجه فيها أمر يكون عليه ويل وعقاب ، وإنما يدعون إلى السجود كشفا لحال الناس في الدنيا ، فمن كان يسجد لله تمكّن من السجود ، ومن كان يسجد رئاء لغيره صار ظهره طبقا واحدا.
المسألة الثالثة ـ روى في الصحيح : قال عبد الله ـ يعنى ابن مسعود : بينا نحن مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم في غار إذ نزلت عليه : (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً ...) الحديث إلخ ،
__________________
(١) في القرطبي : فنسميه.
(٢) في ا : اختلف.
(٣) آية ٤٨.