المسألة الثالثة ـ احتج علماؤنا بهذه الآية في قطع النبّاش ، لأنه سرق من حرز مكفوت ، وحمى مضموم ، وقد مهدنا ذلك في مسائل الخلاف ، وقرّرنا أن ينظر في دخوله في هذه الآية بأن نقول (١) : هذا حرز كفات ، لقول الله تعالى : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً) ، فجعل حال المرء فيها بعد الممات في كفتها له وضمّها لحاله كحالة الحياة وما تحفظه (٢) وتحرز حاله حيّا ، كذلك يجب أن يكون ميتا. فهذا أصل ثبت بالقرآن ، ثم ينظر في دخوله تحت قوله (٣) : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) ، وذلك يثبت بطريق اللغة ، فإن السارق فيها (٤) هو آخذ المال على طريق الخفية ومسارقة الأعين ، وهذا فعله في القبر كفعله في الدار ، ثم ينظر بعد ذلك في أنّ الذي سرق مال ، لأن أبا حنيفة يقول : إن الكفن ليس بمال ، لأنه معرض للإتلاف ، وقلنا نحن : هو معرّض للإتلاف في منفعة المالك ، كالملبوس في الحياة ، ثم ينظر في أنه مملوك لمالك ، فإنّ الميت مالك. والدليل عليه أنه لو نصب شبكة في حال حياته ، فوقع فيها صيد بعد وفاته ، فإنه يكون له ، تقضى منه ديونه ، وتنفذ فيه وصاياه. وحقيقة الملك موجودة في الكفن ، لأنه مختص به ومحتاج إليه ، فإذا ثبتت هذه الأركان من القرآن والمعنى ثبت القطع. والله أعلم.
الآية الثانية ـ قوله تعالى (٥) : (إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ).
فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى ـ قال المفسرون : فيها ستة أقوال :
الأول ـ أصول الشجرة (٦).
الثاني ـ الجبل.
الثالث ـ القصر من البناء.
الرابع ـ خشب طوله ثلاثة أذرع ، قاله ابن عباس.
الخامس ـ أعناق الدواب.
السادس ـ روى أنّ ابن عباس قرأها القصر ، وفسرها بأعناق الإبل.
__________________
(١) في ا : يقال.
(٢) في ش ، م : وضمها لحاله وكما تحفظه.
(٣) سورة المائدة ، آية ٤١.
(٤) في ا : فينا.
(٥) آية ٦٢.
(٦) في ا : البحر.