وقد قال أصحابه : إن النّذر إنما يكون بما القصد منه القربة مما هو من جنس القربة. وهذا وإن كان من جنس القربة ، لكنه لم يقصد به القربة ، وإنما قصد منع نفسه عن فعل أو الإقدام على فعل.
قلنا : القرب الشرعية مقتضيات (١) وكلف وإن كانت قربات. وهذا تكلّف في التزام هذه القربة مشقة لجلب نفع أو دفع ضر ، فلم يخرج عن سنن التكليف ، ولا زال عن قصد التقرب.
المسألة الثالثة ـ فإن كان المقول منه وعدا فلا يخلو أن يكون منوطا بسبب (٢) كقوله: إن تزوجت أعنتك بدينار ، أو ابتعت حاجة كذا أعطيتك كذا ، فهذا لازم إجماعا من الفقهاء.
وإن كان وعدا مجردا فقيل : يلزم بمطلقه (٣) ، وتعلّقوا بسبب الآية ، فإنه روى أنهم كانوا يقولون : لو نعلم أىّ الأعمال أفضل أو أحبّ إلى الله لعملناه ، فأنزل الله عزّوجل هذه الآية ، وهو حديث لا بأس به.
وقد روى مجاهد أن عبد الله بن رواحة لما سمعها قال : لا أزال حبيسا في سبيل الله حتى أقتل.
والصحيح عندي أن الوعد يجب الوفاء به على كل حال إلا لعذر.
الآية الثانية ـ قوله تعالى (٤) : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ).
فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى ـ قوله : (مرصوص) ، أى محكم ثابت ، كأنه عقد بالرصاص ، وكثيرا ما تعقد به الأبنية القديمة ، عاينت منها بمحراب داود عليه السلام والمسجد الأقصى وغيرهما ،
__________________
(١) في القرطبي : مشقات.
(٢) في ش : بسببه.
(٣) في القرطبي : قلت : قال مالك : فأما العدة مثل أن يسأل الرجل الرجل أن يهب له الهبة فيقول له نعم ، ثم يبدو له ألا يفعل فما أرى ذلك يلزمه (١٨ ـ ٨٠).
(٤) آية ٤.