وأنهاكم عن الدّبّا (١) ، والحنتم (٢) ، والنّقير (٣) ، والمزفّت (٤) ، فنبههم على ترك المعصية في شرب الخمر دون سائر المعاصي ؛ لأنها كانت عادتهم.
وإذا ترك المرء شهوته من المعاصي هان عليه ترك سواها مما لا شهوة له فيها.
المسألة الثالثة عشرة ـ لما قال النبي صلّى الله عليه وسلم لهنّ في البيعة : ألّا يسرقن ، قالت هند : يا رسول الله ، أنّ أبا سفيان رجل مسيك (٥) فهل على حرج أن آخذ من ماله ما يكفيني وولدي ، فقال : لا ، إلا بالمعروف (٦) ؛ فخشيت هند أن تقتصر على ما يعطيها أبو سفيان فتضيع أو تأخذ أكثر من ذلك ، فتكون سارقة ناكثة للبيعة المذكورة ، فقال لها النبي صلّى الله عليه وسلم : لا ، أى لا حرج عليك فيما أخذت بالمعروف ـ يعنى من غير استطالة إلى أكثر من الحاجة.
وهذا إنما هو فيما لا يخزنه عنها في حجاب ، ولا يضبط عليها بقفل ، فإنها إذا هتكته الزوجة ، وأخذت منه كانت سراقة ، تعصى بها ، وتقطع عليه يدها حسبما تقدم في سورة المائدة.
المسألة الرابعة عشرة ـ في صفة البيعة لمن أسلم من الكفار ؛ وذلك لأنها كانت في صدر الإسلام منقولة (٧) وهي اليوم مكتوبة ؛ إذ كان في عصر النبي صلّى الله عليه وسلم لا يكتب إلا القرآن.
وقد اختلف في السنّة على ما بيناه في أصول الفقه وغيرها ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يكتب أصحابه ولا يجمعهم له ديوان حافظ ، اللهم إلا أنه قال يوما : اكتبوا لي من
__________________
(١) الدباء القرع ، واحدها دباءة. كانوا ينتبذون فيها فتسرع الشدة في الشراب (النهاية ـ دبب). وفي ا : الربا.
(٢) الحنتم : جرار مدهونة خضر كانت تحمل الخمر فيها إلى المدينة ، ثم اتسع فيها فقيل للخزف كله حنتم ، واحدتها حنتمة ، وإنما نهى عن الانتباذ فيها لأنها تسرع الشدة فيها لأجل دهنها (النهاية ـ حنتم).
(٣) النقير : أصله النخل ينقر وسطه ثم ينبذ فيه التمر ويلقى عليه الماء ليصير نبيذا مسكرا ، والنهى واقع على ما يعمل فيه لا على اتخاذ الفقير ، فيكون على حذف مضاف ، تقديره عن نبيذ النقير (النهاية ـ نقر).
(٤) المزفت من الأوعية هو الإناء الذي طلى بالزفت ، وهو نوع من القار ، ثم انتبذ فيه (النهاية ـ زفت).
(٥) مسيك : بخيل يمسك ما في يديه لا يعطيه أحدا.
(٦) في القرطبي ، لا ، أى لا حرج عليك فيما أخذت بالمعروف.
(٧) في ش : مقبولة.