فيها أربع مسائل :
المسألة الأولى ـ (ما أَفاءَ اللهُ) يريد ما ردّ الله. وحقيقة ذلك أنّ الأموال في الأرض للمؤمنين حقّا ، فيستولى عليها الكفار من الله بالذنوب عدلا ، فإذا رحم الله المؤمنين وردّها عليهم من أيديهم رجعت في طريقها ذلك ، فكان ذلك فيئا.
المسألة الثانية ـ قوله : (فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ).
الإيجاف : ضرب من السير. والركاب : اسم للإبل خاصة عرفا لغويا. وإن كان ذلك مشتقّا من الركوب ، ويشترك غيرها معها فيها ، ولكن للعرف (١) احتكام في اختصاص بعض المشركات (٢) بالاسم المشترك.
المسألة الثالثة ـ قوله تعالى : (وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) ...
المعنى أنّ هذه الأموال وإن كانت فيئا فإنّ الله تعالى خصّها لرسوله ، لأنّ رجوعها كان برعب ألقى (٣) في قلوبهم ، دون عمل من الناس ، فإنهم لم يتكلفوا سفرا ، ولا تجشّموا رحلة ، ولا صاروا عن حالة إلى غيرها ، ولا أنفقوا مالا ، فأعلم الله أن ذلك موجب لاختصاص رسوله بذلك الفيء ، وأفاد البيان بأنّ ذلك العمل اليسير من الناس في محاصرتهم لغو لا يقع الاعتداد به في استحقاق سهم ، فكان النبي صلّى الله عليه وسلم مخصوصا بها.
روى ابن شهاب ، عن مالك بن أوس بن الحدثان النضري ـ أنّ عليا والعباس لما طلبا عمر بما كان في يد النبي صلّى الله عليه وسلم من المال ، وذلك بحضرة عثمان ، وعبد الرحمن بن عوف ، والزّبير ، وسعد ، قال لهم عمر : أحدّثكم عن هذا الأمر أنّ الله قد خصّ رسوله صلّى الله عليه وسلم من هذا الفيء بسهم لم يعطه أحدا غيره ، وقرأ : (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ، فكانت هذه خالصة لرسوله صلّى الله عليه وسلم ، وإنّ الله اختارها ، والله ما احتازها
__________________
(١) في ا : للعرب.
(٢) في ش : المشتركات.
(٣) في ش : برعب النبي.