الناس عليه ، فإذا ابتلّ عاد نحو ثلاثة أرطال ، فغيّر السنة ، وأذهب محل البركة. قال النبي صلّى الله عليه وسلم حين دعا ربّه لأهل المدينة بالبركة لهم في مدّهم وصاعهم : مثل ما بارك لإبراهيم بمكة. فكانت البركة تجرى بدعوة النبىّ صلّى الله عليه وسلم في مده ، فسعى الشيطان في تغيير هذه السنة وإذهاب البركة ، فلم يستجب له في ذلك إلا هشام ، فكان من حقّ العلماء أن يلغوا ذكره ، ويمحوا رسمه ، إذا لم يغيروا أمره ، وأما (١) أن يحيلوا على ذكره في الأحكام ، ويجعلوه تفسيرا لما ذكره الله ورسوله بعد أن كان مفسرا (٢) عند الصحابة الذين نزل عليهم فخطب جسيم ، ولذلك كانت رواية أشهب في ذكر مدّين بمد النبي صلّى الله عليه وسلم في كفارة الظهار أحبّ إلينا من الرواية بأنها بمدّ هشام.
ألا ترى كيف نبّه مالك على هذا العلم بقوله [لأشهب] (٣) : الشبع عندنا بمدّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم ، والشبع عندكم أكثر ، لأن النبىّ صلّى الله عليه وسلم دعا لنا بالبركة ، وبهذا أقول ، فإن العبادات إذا أدّيت بالسنة ، فإن كانت في البدن كان أسرع للقبول (٤) ، وإن كانت في المال كان قليلها أثقل في الميزان ، وأبرك في يد الآخذ ، وأطيب في شدقه ، وأقل آفة في بطنه ، وأكثر إقامة لصلبه (٥) ، والله الموفّق لا ربّ غيره.
المسألة الثامنة والعشرون ـ قوله : (فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) يقتضى أن الوطء للزوجة في ليل صوم الظهار (٦) يبطل الكفارة ، لأن الله سبحانه شرط في كفارة الظهار فعلها قبل التماس.
وقال الشافعى : إنما يكون شرط المسيس في الوطء بالنهار دون الليل. قال : لأن الله تعالى أوجب الصوم قبل التماس ، فإذا وطئ فيه فقد [تعذّر كونه قبله ، فإذا أتمها كان بعض الكفارة قبله ، وإذا استأنفها] (٧) كان الوطء قبل جميعها ، وامتثال الأمر في بعضها أولى من تركه في جميعها.
قلنا : هذا كلام من لم يذق طعم الفقه ، فإن الوطء الواقع في خلال الصوم ليس بالمحل
__________________
(١) في ش : فأما.
(٢) في ش : مقسما.
(٣) ليس في ش.
(٤) في ش ، والقرطبي : إلى القبول.
(٥) في م : لقلبه.
(٦) في ش : الكفارة.
(٧) ليس في ش.