المسألة الرابعة ـ قوله : (عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ).
قد قدمنا القول في تحريم مكة ، وفائدة حرمتها ، وما يترتّب على ذلك من حكمة ، وتحريمها كان بالعلم ، وكان بقوله مخبرا عنه ، وكلّ ذلك قديم لا أوّل له ، وحرمها بالكتاب حين خلق القلم ، وهو التحريم الثالث ، وقال له : اكتب فكتب ما يكون إلى يوم القيامة.
ومن جملة ما كتب أنّ مكة بيت محرم مكرّم معظم ، وقد روى في ذلك آثار ، منها أنه كان المسجد الحرم ليس عليه جدار محيط على عهد رسول الله وأبى بكر ، فلما كان عمر بن الخطاب فضاق على الناس وسّع عمر المسجد ، واشترى دورا فهدمها فيه ، وهدم على الناس ما قرب من المسجد ، حتى أبوا أن يبيعوا ، ووضع الأثمان حتى أخذوها بعد ، ثم أحاط عليه بجدار قصير دون القامة ، وأنّ عثمان لما ولى وسّع المسجد الحرام ، واشترى من قوم ، وأبى آخرون أن يبيعوا ، فهدم عليهم ، فصيّحوا فأمر بهم إلى الحبس حتى كلّمه فيهم عبد الله بن خالد بن أسيد ، ووجذ في المقام كتاب ، فجعلوا يخرجونه لكلّ من أتاهم من أهل الكتاب فلا يعلمونه ، حتى أتاهم حبر من اليمن ، فقرأه عليهم ، فإذا فيه : أنا الله ذو بكّة صغتها يوم صغت (١) الشمس والقمر ، وباركت لأهلها في اللحم واللبن ، وأول من يحلّها أهلها ، وذكر حديثا طويلا خرجه جماعة ، واللفظ للترمذىّ (٢).
__________________
(١) في م : صنعتها يوم صنعت.
(٢) في ا : الواقديّ رحمه الله. (٦ ـ أحكام ـ ٣)