المسألة الثالثة ـ في تدبّر ما مضى :
أما من قال : إنهم الذين آمنوا من اليهود ، كابن سلام ، وابن يامين. ومن النصارى ، كسلمان ، وتميم الداري ، فإن المعنّى عنده بالكتاب التوراة والإنجيل.
وأما من قال : إنه علىّ بن أبى طالب فعوّل على أحد وجهين : إما لأنه عنده أعلم المؤمنين ، وليس كذلك ، بل أبو بكر وعمر وعثمان أعلم منه ، حسبما بيناه في أصول الدّين في ذكر الخلفاء الراشدين ، أو لقول النبي صلى الله عليه وسلم : أنا مدينة العلم وعلىّ بابها. وهو حديث باطل ، النبي صلى الله عليه وسلم مدينة علم وأبوابها أصحابه ، ومنهم الباب المنفسخ ، ومنهم المتوسط على قدر منازلهم في العلوم.
وأما من قال : إنهم جميع المؤمنين فصدق ، لأنّ كل مؤمن يعلم الكتاب ، ويدرك وجه إعجازه ، يشهد للنبي صلى الله عليه وسلم بالصدق.
وأما من قال : إنه عبد الله بن سلام فعوّل على حديث خرّجه للترمذي وغيره أنه لما أريد قتل عثمان جاء عبد الله بن سلام فقال له عثمان : ما جاء بك؟ قال : جئت في نصرك. قال : اخرج إلى الناس ، فاطردهم عنى ، فإنك خارجا خير لي منك داخلا ، فخرج عبد الله إلى الناس ، فقال : أيها الناس ، إنه كان اسمى في الجاهلية فلان ، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله ، ونزلت فىّ آيات من القرآن فنزلت فىّ (١) : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ ...) الآية إلى آخرها ، ونزلت فىّ : (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ). إنّ لله سيفا مغمودا عنكم ، وإنّ الملائكة قد جاورتكم في بلدكم هذا الذي نزل به رسول الله صلى الله عليه وسلم. الله الله في هذا الرجل أن تقتلوه ، فو الله لئن قتلتموه لتطردنّ جيرانكم الملائكة ، وليسلّن سيف الله المغمود عنكم ، فلا يغمد إلى يوم القيامة. قالوا : اقتلوا اليهودي ، واقتلوا عثمان. وليس يمتنع أن تنزل في عبد الله سببا (٢) ، وتتناول جميع المؤمنين لفظا ، ويعضده من النظام أن قوله : ويقول الذين
__________________
(١) سورة الأحقاف ، آية ١٠.
(٢) في القرطبي : شيئا.