واذكر يا محمد إذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه : أمسك عليك زوجك ، واتّق الله في فراقها ، وتخفى في نفسك ما الله مبديه ، يعنى من نكاحك لها ، وهو الذي أبداه لا سواه.
وقد علم النبىّ صلى الله عليه وسلم أنّ الله تعالى إذ أوحى إليه أنها زوجته لا بدّ من وجود هذا الخبر وظهوره ؛ لأن الذي يخبر الله عنه أنه كائن لا بدّ أن يكون لوجوب صدقه في خبره ، هذا يدلّك على براءته من كل ما ذكره متسور من المفسرين ، مقصور على علوم الدين.
فإن قيل : فلأىّ معنى قال له النبي صلى الله عليه وسلم : : أمسك عليك زوجك ، وقد أخبره الله أنها زوجته لا زوج زيد؟
قلنا : هذا لا يلزم ؛ ولكن لطيب نفوسكم نفسر ما خطر من الإشكال فيه : إنه أراد أن يختبر منه ما لم يعلمه الله به من رغبته فيها أو رغبته عنها ، فأبدى له زيد من النّفرة عنها والكراهية فيها ما لم يكن علمه منه في أمرها.
فإن قيل : فكيف يأمره بالتمسّك بها ، وقد علم أنّ الفراق لا بدّ منه ، وهذا تناقض؟
قلنا : بل هو صحيح للمقاصد الصحيحة لإقامة الحجة ، ومعرفة العاقبة ؛ ألا ترى أنّ الله يأمر العبد بالإيمان ، وقد علم أنه لا يؤمن ، فليس في مخالفة متعلّق الأمر لمتعلّق العلم ما يمنع من الأمر به عقلا وحكما ، وهذا من نفيس العلم ، فتيقّنوه وتقبلوه.
الآية الثانية عشرة ـ قوله تعالى (١) : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها).
فيها أربع مسائل :
المسألة الأولى ـ الوطر : الأرب ، وهو الحاجة ، وذلك عبارة عن قضاء الشهوة. ومنه الحديث (٢) : أيكم يملك أربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك أربه ـ على أحد الضبطين (٣) ، يعنى شهوته.
المسألة الثانية ـ قوله : (زَوَّجْناكَها) ، فذكر عقده عليها بلفظ التزويج ، وهذا اللفظ
__________________
(١) من الآية السابقة.
(٢) صحيح مسلم : ٢٤٢ ، ٧٧٧.
(٣) يروى بفتح الهمزة والراء. ويروى بكسر الهمزة وسكون الراء (النهاية).