بتبليغ ما أنزل عليه من القرآن ، وتعليم ما علّمه من الدين ، فكان إذا قرأه على واحد ، أو ما اتفق ، سقط عنه الفرض ، وعلى من سمعه أن يبلّغه إلى غيره ، وليس يلزمه أن يذكره لجميع الصحابة ، ولا كان عليه إذا علّم ذلك أزواجه أن يخرج إلى الناس فيقول لهم : نزل كذا ، وكان كذا.
وقد بينا ذلك في الأصول ، وشرح الحديث ، ولو كان الرسول لا يعتدّ بما يعلمه من ذلك أزواجه ما أمرن بالإعلام بذلك ، ولا فرض عليهن تبليغه ، ولذلك قلنا بجواز قبول خبر بسرة (١) في إيجاب الوضوء من مسّ الذّكر ، لأنها روت ما سمعت ، وبلّغت ما وعت. ولا يلزم أن يبلغ ذلك الرجال ، كما قال أبو حنيفة ، حسبما بيناه في مسائل الخلاف ، وحققناه في أصول الفقه ، على أنه قد نقل عن سعد بن أبى وقاص وابن عمر ، وهذا كان هاهنا.
الآية العاشرة ـ قوله تعالى (٢) : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً).
فيها مسألتان :
المسألة الأولى ـ في سبب نزولها :
فيه قولان :
أحدهما ـ أنها نزلت في شأن أم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط ، وكانت أول امرأة هاجرت من النساء ، وهبت (٣) نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم قال : قد قبلت ، فزوجها من زيد بن حارثة فسخطته ـ قاله ابن زيد.
الثاني ـ أنها نزلت في شأن زينب بنت جحش ، خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة ، فامتنعت ، وامتنع أخوها عبد الله لنسبها في قريش ، وأنها كانت بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم ، أمّها أميمة بنت عبد المطلب ، وإنّ زيدا كان عبدا بالأمس إلى أن
__________________
(١) هي بسرة بنت صفوان بن نوفل ، روت عن النبي.
(٢) آية ٣٦.
(٣) ابن كثير : يعنى بعد صلح الحديبية فوهبت نفسها ... فقال ...