الثالث ـ أنه الطبل ، قاله الطبري.
المسألة الثانية ـ في سبب نزولها (١) :
وفيه قولان :
أحدهما ـ أنها نزلت في النّضر بن الحارث ، كان يجلس بمكة ، فإذا قالت قريش : إنّ محمدا قال كذا وكذا ضحك منه ، وحدّثهم بأحاديث ملوك الفرس ، ويقول : حديثي هذا أحسن من قرآن محمد.
الثاني ـ أنها نزلت في رجل من قريش اشترى جارية مغنية ، فشغل الناس بلهوها عن استماع النبي صلى الله عليه وسلم.
المسألة الثالثة ـ هذه الأحاديث التي أوردناها لا يصح منها شيء بحال ، لعدم ثقة ناقليها إلى من ذكر من الأعيان فيها.
وأصحّ ما فيه قول من قال : إنه الباطل. فأما قول الطبري : إنه الطبل فهو على قسمين : طبل حرب ، وطبل لهو ، فأما طبل الحرب فلا حرج فيه ، لأنه يقيم النفوس ، ويرهب على العدو. وأما طبل الّلهو فهو كالدفّ. وكذلك آلات اللهو المشهرة للنكاح يجوز استعمالها فيه ، لما يحسن من الكلام ، ويسلم من الرّفث.
وأما سماع القينات فقد بينا أنه يجوز للرجل أن يسمع غناء جاريته ، إذ ليس شيء منها عليه حراما ، لا من ظاهرها ولا من باطنها ، فكيف يمنع من التلذذ بصوتها؟ ولم يجز الدف في العرس لعينه ، وإنما جاز لأنه يشهره ، فكلّ ما أشهره جاز.
وقد بينا جواز الزّمر في العرس بما تقدم من قول أبى بكر : أمزمار الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال : دعهما يا أبا بكر ، فإنه يوم عيد ، ولكن لا يجوز انكشاف النساء للرجال ، ولا هتك الأستار ، ولا سماع الرّفث ، فإذا خرج ذلك إلى ما لا يجوز منع من أوله ، واجتنب (٢) من أصله.
الآية الثانية ـ قوله تعالى (٣) : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ).
__________________
(١) أسباب النزول : ١٩٧.
(٢) في القرطبي : واجتث.
(٣) آية ١٢.