بالله شهيدا. قال : أتيتنى بالكفيل! قال : كفى بالله كفيلا. قال : صدقت. فدفعها إليه إلى أجل مسمى.
فخرج في البحر ، فقضى حاجته ، والتمس مركبا يركبه ، لئلا يقدم عليه الأجل الذي أجلّه ، فلم يجد مركبا ، فأخذ خشبة فنقرها ، وأدخل فيها ألف دينار ، وصحيفة منه إلى صاحبه ، ثم زجّج (١) موضعها ، ثم جاء بها إلى البحر ، فقال : اللهم إنك تعلم أنى تسلّفت من فلان ألف دينار ، فسألنى كفيلا ، فقلت له : كفى بالله كفيلا ، وسألنى شهيدا ، فقلت له : كفى بالله شهيدا. فرضي بذلك ، وإنى جهدت أن أجد مركبا أبعث له بالذي إليه ، فلم أقدر ، وإنى قد استودعتكها. ورمى بها في البحر حتى ولجت فيه ، ثم انصرف ، وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده.
فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعلّ مركبا قد جاء بماله ، فإذا بالخشبة التي فيها المال ، فأخذها لأهله حطبا ، فلما نشرها وجد المال والصحيفة ، ثم قدم الذي كان أسلفه ، وأتى بالألف دينار ، وقال : والله ما زلت أجهد في طلب مركب لآتيك بمالك ، فما وجدت مركبا قبل الذي أتيت فيه.
قال : هل كنت بعثت إلىّ بشيء! قال : نعم ، وأخبرتك ، أنى لم أجد مركبا قبل الذي جئتك فيه. قال : بلى ، والله ، قد أدّى الله عنك الذي بعثت به ، فانصرف بالألف دينار راشدا.
المسألة التاسعة والعشرون ـ قوله تعالى (٢) : (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ).
دليل على أنّ للرجل أن يذهب بأهله حيث شاء ، لما له عليها من فضل القوامية ،
__________________
(١) زجج موضعها : سوى موضع النقر وأصلحه. ويحتمل أن يكون مأخوذا من الزج النصل ، وهو أن يكون النقر في طرف الخشبة ، فترك فيه زجا ليمسكه به ويحفظ ما في جوفه (النهاية).
(٢) آية ٢٩.