حفظ الثغور ، وتدبير الأمور ، وحماية البيضة ، وقبض الخراج ، وردّه على (١) مستحقيه ؛ وذلك يتأتّى من المرأة كتأتّيه من الرجل.
فقال له أبو الفرج بن طرار : هذا هو الأصل في الشرع ، إلا أن يقوم دليل على منعه.
فقال له القاضي أبو بكر : لا نسلّم أنه أصل الشرع.
قال القاضي عبد الوهاب : هذا تعليل للنقض ، يريد : والنقض لا يعلّل. وقد بينا فساد قول القاضي عبد الوهاب في أصول الفقه.
قال الفقيه القاضي أبو بكر رحمه الله : ليس كلام الشيخين في هذه المسألة بشيء (٢) ، فإن المرأة لا يتأتّى منها أن تبرز إلى المجالس ، ولا تخالط الرجال ، ولا تفاوضهم مفاوضة النظير للنظير ، لأنها إن كانت فتاة حرم النظر إليها وكلامها ، وإن كانت متجالّة (٣) برزة لم يجمعها والرجال مجلس تزدحم فيه معهم ، وتكون منظرة لهم ، ولم يفلح قط من تصوّر هذا ، ولا من اعتقده.
الآية العاشرة ـ قوله تعالى (٤) : (قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ).
فيها مسألتان :
المسألة الأولى ـ قوله : (سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ).
لم يعاقبه ، لأنه اعتذر له ، ولا أحد أحبّ إليه العذر من الله ، ولذلك بعث النبيين مبشّرين ومنذرين.
وكذلك يجب على الوالي أن يقبل عذر رعيته ، ويدرأ العقوبة عنهم في ظاهر أحوالهم بباطن أعذارهم ، ولكن له أن يمتحن ذلك إذا تعلّق به حكم من أحكام الشريعة ، كما فعل سليمان ؛ فإنه لما قال له [الهدهد] (٥) : (٦) (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ ، وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ) لم يستفزه الطمع ، ولا استجرّه حبّ الزيادة في الملك إلى أن يعرض له ، حتى قال (٧) : (وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ) ، حينئذ غاظه ما سمع ، وطلب الانتهاء إلى ما أخبر ، وتحصيل علم ما غاب من ذلك ، حتى يغيّره بالحق ، ويردّه إلى الله تعالى.
__________________
(١) في م : إلى.
(٢) في م : بمتقن.
(٣) تجالت المرأة : أسنت وكبرت (النهاية).
(٤) آية ٢٧.
(٥) من م.
(٦) آية ٢٣ من السورة.
(٧) آية ٢٤ من السورة.