الثاني ـ أنها ليست بشرقية تستر عن الشمس عند الغروب ، ولا بغربية تستر عن الشمس وقت الطلوع ، بل هي بارزة ، وذلك أحسن لزيتها أيضا ، قاله قتادة.
الثالث ـ أنها وسط الشجر ، لا تنالها الشمس إذا طلعت ولا إذا غربت ، وذلك أجود لزيتها ، قاله عطية.
الرابع ـ أنها ليس في شجر الشرق ولا في شجر الغرب مثلها ، قاله يحيى بن سلام.
الخامس ـ أنها من شجر الجنة لا من الدنيا ، قاله الحسن.
السادس ـ أنها مؤمنة ليس بنصرانية تصلّى إلى الشرق ، ولا يهودية تصلى إلى الغرب ، وهو قول ابن عمر.
قال الفقيه القاضي أبو بكر رضى الله عنه : لا خلاف بين المحققين الذين ينزلون التفسير منازله ، ويضعون التأويل مواضعه من غير إفراط ولا تفريط ـ أنّ هذا مثل ضربه الله لنوره ، ولا يمكن أن يضرب لنوره المعظّم مثلا تنبيها لخلقه إلا ببعض خلقه ، لأن الخلق بقصورهم لا يفهمون إلا بأنفسهم ومن أنفسهم ، ولو لا ذلك ما عرف الله إلا الله وحده ، وأنور المصابيح في الدنيا مصباح يوقد من دهن الزيتون ، ولا سيما إذا كانت مفردة قد تباعد عنها الشجر فخلصت من الكلّ ، وأخذتها الشّمس من كل جانب ، فذلك أصفى لنورها ، وأطيب لزيتها ، وأنضر لأغصانها ، وذلك معنى بركة هذه الشجرة التي فهمها الناس حتى استعملوها في أشعارهم ، فقالوا (١) :
بورك الميت الغريب كما |
|
بورك نضر (٢) الرمّان والزيتون |
وقد رأيت في المسجد الأقصى زيتونة كانت بين محراب زكريّا وبين باب التوبة والرحمة الذي يقولون : إنه المراد بقوله : باب باطنه فيه الرحمة ، يعنى المسجد الأقصى ، وظاهره من قبله العذاب بشرقيّه دون السور ، وادي جهنم ، وفوقه أرض المحشر التي تسمّى بالساهرة ، فكانوا يقولون : إنها الشجرة المذكورة في هذه الآية. وربّك أعلم.
ومن غريب الأثر (٣) أن بعض علمائنا الفقهاء قال : إن هذا مثل ضربه الله لإبراهيم ،
__________________
(١) البيت لأبى طالب يرثى مسافر بن أبى عمرو بن أمية بن عبد شمس ـ كما في القرطبي.
(٢) في القرطبي : نبع الرمان.
(٣) في القرطبي : الأمر.