سورة النور
[فيها تسع وعشرون آية]
الآية الأولى ـ قوله تعالى (١) : (سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى ـ قوله : سورة ، يعنى منزّلة ومرتبة : ألم تروا قول الشاعر (٢) :
ألم تر أنّ الله أعطاك سورة |
|
ترى كلّ ملك دونها يتذبذب |
وعامة القراء على رفعها ، وقرأها عيسى بن عمر بالنصب ، وهو بيّن ، فأما الرفع فقال أهل العربية : إنها على خبر الابتداء ، التقدير هذه سورة ، لأن الابتداء بالنكرة قبيح ، وقد بينا في الرسالة الملجئة أنه فصيح مليح ، وجئنا فيه بالمثال الصحيح.
المسألة الثانية ـ قوله : (فَرَضْناها) ، يقرأ بتخفيف الراء وتشديدها ، فمن خفّف فمعناه أوجبناها معيّنة مقدّرة ، كما قال : فرض رسول الله صدقة الفطر على كل حرّ وعبد ، ذكر وأنثى من المسلمين.
ومن شدّد فمعناه على وجهين : إما على معنى وضعناها فرائض فرائض ، أو فرضا فرضا ، كما تقول : نزّلت فلانا ، أى قدّرت له المنازل واحدا بعد واحد.
وفي صحيح مسلم : فنزّلني زيد ، أى رتب لي منازل كثيرة.
الثاني (٣) ـ على معنى التكثير ، وهو صحيح لا اعتراض عليه.
المسألة الثالثة ـ قوله : (وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ) ، فيها حجج وتوحيد ، وفيها دلائل الأحكام ، والكلّ آيات بينات : حجج العقول ترشد إلى مسائل التوحيد ، ودلائل الأحكام ترشد إلى وجه الحق ، وترفع غمّة الجهل ، وهذا هو شرف السورة ، وهو أقلّ ما وقع التحدي به في سبيل المعجزة ، فيكون شرفا للنبىّ في الولاية ، شرفا لنا في الهداية.
__________________
(١) آية ١.
(٢) هو للنابغة الذبياني.
(٣) أى الوجه الثاني.