وقد قال البخاري : باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء ، وذكر أن قرّة بن خالد قال : انتظرنا الحسن وراث (٣) علينا ، حتى جاء قريبا من وقت قيامه ، فقال : دعانا جيراننا هؤلاء. ثم قال : قال أنس : انتظرنا النبىّ ذات ليلة حتى إذا كان شطر الليل ، فجاء فصلّى ، ثم خطبنا ، فقال : ألا إنّ الناس قد صلّوا ورقدوا ، وإنكم لم تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة. قال الحسن : وإن القوم لا يزالون في خير ما انتظروا الخير.
ثم قال «باب السمر مع الضيف والأهل» : وقال عبد الرحمن بن أبى بكر (١) : إنّ أصحاب الصّفة كانوا أناسا فقراء ، وإن النبي قال : من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث ، وإن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس بسادس ، وإنّ أبا بكر جاء بثلاثة ، وانطلق النبىّ بعشرة. قال : فهو وأنا وأبى وأمّى ، ولا أدرى هل قال : وامرأتى وخادم بين بيتنا وبيت أبى بكر ، وإن أبا بكر تعشّى عند النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم لبث حتى صلّيت العشاء ، ثم رجع فلبث حتى نعس النبىّ ، فجاء بعد ما مضى من الليل ما شاء الله. قالت له امرأته : ما حبسك عن أضيافك؟ قال : أو ما عشّيتهم! قالت : أبوا حتى تجيء. قال : فذهبت أنا فاختبأت. وقال : يا غنثر ، فجدّع وسبّ (٢) ، وقال : كلوا ، (٣) لا هنيئا ، والله لا أطعمه أبدا. وايم الله ما كنّا نأخذ من لقمة إلّا ربا من أسفلها أكثر منها. قال : وشبعوا ، وصارت أكثر مما كانت قبل ذلك ، فنظر إليها أبو بكر ، فإذا هي كما هي أو أكثر (٤). فقال لامرأته : يا أخت بنى فراس ، ما هذا؟ قالت : لا ، وقرّة عيني ، لهى الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاث مرار ، فأكل منها أبو بكر ، وقال : إنما كان ذلك من الشيطان ـ يعنى يمينه ، ثم أكل منها لقمة ، ثم حملها إلى النبي ، فأصبحت عنده ، وكان بيننا وبين قوم عقد (٥) ، فمضى الأجل ، ففرقنا اثنى عشر رجلا ، مع كلّ رجل منهم أناس ، الله أعلم كم مع كلّ رجل ، فأكلوا منها أجمعون ، أو كما قال.
__________________
(١) صحيح مسلم : ١٦٢٧.
(٢) غنثر ـ بفتح الثاء وضمها : هو الثقيل الوخيم. وقيل هو الجاهل. وجدع : دعا بالجدع ، وهو قطع الأنف وغيره من الأعضاء. والسب : الشتم.
(٣) قال ذلك لما حصل له من الحرج والغيظ بتركهم العشاء بسببه.
(٤) في م : أو هي أكثر.
(٥) في م : عهد.
(٦) في م : هذا.