وهو معرض ، وذلك
أشد الخطف ، ومن الحنيفة السمحة برفع الحرج الإذن في أن يلحظ يمينا وشمالا ، وإن
كان يصلّى ببصره ورأسه دون بدنه ، أذن الشرع فيه ، وهي :
المسألة الخامسة ـ
فمن مراسيل سعيد بن المسيّب أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم كان يلمح في الصلاة ،
ولا يلتفت. وروى معاوية بن قرّة قال : قيل لابن عمر : إن ابن الزبير إذا صلّى لم
يقل هكذا وهكذا. فقال : لكنا نقول هكذا وهكذا ، ونكون مثل الناس ، إشارة من ابن
عمر إلى أنه تكليف يخرج إلى الحرج.
المسألة السادسة ـ
قال ابن القاسم ، عن مالك في قوله : (الَّذِينَ هُمْ فِي
صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) ـ قال : الإقبال عليها. وقال مقاتل : لا يعرف من على يمينه
، ولا من على يساره. صليت المغرب ليلة ما بين باب الأخضر ، وباب حطّة من البيت
المقدس ، ومعنا شيخنا أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن المغربي
الزاهد ، فلما سلّمنا تمارى رجلان كانا عن يمين أبى عبد الله المغربي ، وجعل
أحدهما يقول للآخر : أسأت صلاتك ، ونقرت نقر الغراب. والآخر يقول له : كذبت ، بل
أحسنت وأجملت. فقال المعترض لأبى عبد الله الزاهد : ألم يكن إلى جانبك ، فكيف
رأيته يصلّى؟
قال أبو عبد الله
: لا علم لي به ، كنت مشتغلا بنفسي وصلاتي عن الناس وصلاتهم.
فخجل الرجل وأعجب
الحاضرون بالقول.
وصدق شيخنا أبو
عبد الله الزاهد ، لو كان لصلاته قدر ، أوله بها شغل وإقبال بالكلية لما علم من عن
يمينه ، أو عن يساره ، فضلا عن معرفته كيفيّة صلاته ، وإلا فأحد الرجلين أساء
صلاته في حذف صفاتها ، واختصار أركانها ، وهذا أساء صلاته في الاشتغال بصلاة هذا ،
حتى ذهب حفظ صلاته وخشوعها.
ونكتة المسألة أنّ
قولك : الله أكبر يحرم عليك الأفعال بالجوارح ، والكلام باللسان ، ونيّة الصلاة
تحرّم عليك الخواطر بالقلب ، والاسترسال عن الأفكار ، إلا أن الشرع لما علم أنّ
ضبط النشر من السر يفوت طوق البشر سمح فيه ، كما تقدم بياننا له : والله أعلم.
__________________