من أجل ذلك لهم ، ففي فتح التاء بيان سبب القتال ، وقد كان الكفّار يتعمّدون النبىّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالإذاية ، ويعاملونهم بالنّكاية : لقد خنقه المشركون حتى كادت نفسه تذهب ، فتداركه أبو بكر ، وقال (١) : (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ)! وقد بلغ بأصحابه إلى الموت ، قد قتل أبو جهل سميّة أم عمار بن ياسر. وقد عذّب بلال ، وما بعد هذا إلا الانتصار بالقتال.
والأقوى عندي قراءة كسر التاء ، لأنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم بعد وقوع العفو والصفح عما فعلوا أذن الله له في القتال عند استقراره بالمدينة ، فأخرج البعوث ، ثم خرج بنفسه ، حتى أظهره الله يوم بدر ، وذلك قوله : (وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ).
الآية الثالثة عشرة ـ قوله تعالى (٢) : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
فيها مسألتان :
المسألة الأولى ـ قال علماؤنا رحمهم الله : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بيعة العقبة لم يؤذن له في الحرب ، ولم تحلّ (٣) له الدماء ، إنما يؤمر بالدعاء إلى الله ، والصبر على الأذى ، والصّفح عن الجاهل ، [مدة عشرة أعوام ، لإقامة حجة الله تعالى عليهم ، ووفاء بوعده الذي امتن به بفضله في قوله (٤) : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) ، فاستمر الطغيان وما استدلوا بواضح البرهان] (٥).
وكانت قريش قد اضطهدت من اتّبعه من قومه من المهاجرين حتى فتنوهم عن دينهم ، ونفوهم عن بلادهم ، فهم بين مفتون في دينه ، ومعذّب ، وبين هارب في البلاد مغرّب ، فمنهم من فرّ إلى الأرض الحبشة ، ومنهم خرج إلى المدينة ، ومنهم من صبر على الأذى ،
__________________
(١) سورة المؤمن ، آية ٢٨.
(٢) آية ٤٠.
(٣) في ا : تحلل.
(٤) سورة الإسراء ، آية ١٥.
(٥) من القرطبي (١٢ ـ ٦٩).