وقال آخر (١) :
لمال المرء يصلحه فيغنى |
|
مفاقره أعفّ من القنوع |
قال القاضي الإمام : والذي عندي فيه أنّ المعنى فيهما متقارب كتقارب معنى الفقير والمسكين.
وحقيقة ذلك أنّ الله أمر بالأكل وإطعام الفقير. والفقير على قسمين : ملازم لك ، ومارّ بك ، فأذن الله في إطعام الكلّ منهما مع اختلاف حالهما ، ومن هاهنا وهم بعض الناس فيه ، فقال ـ وهي :
المسألة السابعة عشرة ـ أنّ القانع هو جارك الغنىّ ، وليس لذلك وجه كما بيناه.
المسألة الثامنة عشرة ـ قال بعضهم : إن الهدى يقسّم أثلاثا : قسم يأكله صاحبه ، وقسم يأخذه القانع ، وقسم يأخذه المعترّ ، وإنما يقسم قسمين : قسم يأخذه الآكل ، وقسم يأخذه القانع والمعترّ ، ولهذا قال ابن القاسم ، عن مالك : ليس عندنا في الضحايا قسم معلوم موصوف.
قال مالك في حديثه : بلغني عن ابن مسعود شيء ليس عليه العمل عندنا ، وهو الذي أشرنا إليه قسّمها أثلاثا. وقد قال تعالى (٢) : (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ. فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ) ، ولم يكن ذلك ليجزّأ أثلاثا ، ذلك لتعلموا أنّ هذا التقدير ليس بأصل يرجع إليه.
وفي صحيح مسلم (٣) عن ثوبان : ضحّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة ثم قال لي : أصلح لحمها ، فما زال يأكل منه ، حتى قدمنا المدينة ، ولم يذكر صدقة. وهذا نص في المسألة.
الآية الحادية عشرة ـ قوله تعالى (٤) : (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ).
__________________
(١) هو الشماخ (ديوانه : ٥٦).
(٢) سورة النحل ، آية ٥.
(٣) صحيح مسلم : ١٥٦٣.
(٤) آية ٣٧.