إِقامَتِكُمْ ، وَمِنْ أَصْوافِها) ـ وهي الغنم ـ (وَأَوْبارِها) ـ وهي الإبل ـ (وَأَشْعارِها) ـ وهي المعزى ، (أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ.)
فهذه ثلاثة أدلّة تنبئ عن تضمّن اسم النّعم لهذه الأجناس الثلاثة : الإبل والبقر والغنم ، لتأنيس ذلك كله ، فأما الوحشية فلم أعلمه إلى الآن إلا اتباعا لأهل اللغة.
أما أنه قد قال بعض العلماء : إنّ قوله سبحانه : (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) يقتضى دخول البقر والحمر والظباء تحت قوله : بهيمة الأنعام ؛ فصار تقدير الكلام : أحلّت لكم بهيمة الأنعام إنسيّها ووحشيّها غير محلّى الصّيد وأنتم حرم ؛ أى ما لم تكونوا محرمين. فإن كان هذا متعلقا فقد قال : (١) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ، وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ).
فجعل الصيد والنعم صنفين. وأيضا فإن من أراد أن يدخل الظباء والبقر والحمر الوحشية فيه ليعمّ ذلك كله في الإحلال ماذا يصنع بصنف الصّيد الطائر كله؟
فالدليل الذي أحلّه ولم يدخل في هذه الآية محلّ الظباء والبقر والحمر الوحشية وإن لم يدخل في الآية.
وقد ينتهى العىّ ببعضهم إلى أن يقول : إنّ الأنعام هي الإبل لنعمة أخفافها في الوطء ، ولا يدخل فيه الحافر ولا الظلف لجساوته (٢) وتحدّده. ويقال له : إن الأنعام إنما سميت به لما يتنعّم به من لحومها وأصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين.
وبهذه الآية كان يدخل صنف الوحشي فيها ؛ لأنها ذات أشعار من جهة أنه يتأتّى ذلك فيه حسّا وإن لم [يكن] (٣) يتناول ذلك [منها] (٤) عرفا.
فإن قلنا : إن اللفظ يحمل على الحقيقة الأصلية ، فيدخل في هذا اللفظ في النحل ويتناولها اللفظ في سورة المائدة. وإن قلنا : إن الألفاظ تحمل على الأحوال المعتادة العرفية لم يدخل فيها ؛ إذ لا يعتاد (٥) ذلك من أوبارها.
وهاهنا انتهى تحقيق ذلك في هذا المختصر.
__________________
(١) سورة المائدة ، آية ٩٥.
(٢) جسا الشيء : يبس وصلب.
(٣) من ل.
(٤) في ا : ولا يعتاد.