وفي الصحيح ، عن عائشة (١) : ما طال علىّ ولا نسيت : القطع في ربع دينار فصاعدا. وهذا نصّ.
وقال أبو حنيفة (٢) : لا قطع في أقل من عشرة دراهم ، وروى أصحابه في ذلك حديثا قد بيّنا ضعفه في مسائل الخلاف وشرح الحديث.
فإن قيل : قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لعن الله السارق يسرق الحبل فتقطع يده [ويسرق البيضة فتقطع يده] (٣).
قلنا : هذا خرّج مخرج التحذير بالقليل عن الكثير ، كما جاء في معرض الترغيب بالقليل عن (٤) الكثير في قوله صلى الله عليه وسلم : من بنى لله مسجدا ولو مثل مفحص قطاة (٥) بنى الله له بيتا في الجنة. وقيل : إن هذا مجاز من وجه آخر ؛ وذلك أنه إذا ظفر (٦) بسرقة القليل (٧) سرق الكثير فقطعت يده ؛ فبهذا تنتظم الأحاديث ، ويجتمع المعنى والنص في نظام الصواب.
المسألة الثامنة ـ ومنه كلّ مال يسرع إليه الفساد من الأطعمة والفواكه ؛ لأنه يباع ويبتاع وتمتدّ إليه الأطماع ، وتبذل فيه نفائس الأموال. وشبهة أبى حنيفة ما يؤول إليه من التغير والفساد ، ولو اعتبر ذلك فيه لما لزم الضمان لمتلفه.
المسألة التاسعة ـ ومنه كلّ ما كان أصله على الإباحة ؛ كجواهر الأرض ومعادنها ، وشبه ذلك ؛ لأنه كان مباح الأصل ، ثم طرأ عليه الملك ، فتنتصب إباحة أصله شبهة في إسقاط القطع بسرقته.
قلنا : لا تضر إباحة متقدمة إذا طرأ التحريم ، كالجارية المشتركة بين قوم ، فإن وطأها حرام يوجب الحدّ عند خلوصها لأحدهم ، ولا توجب الإباحة المتقدمة شبهة. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا قطع في ثمر ولا كثر (٨) إلا ما أواه الجرين. رواه النسائي.
__________________
(١) الموطأ : ٨٣٢ ، وأحكام الجصاص : ٤ ـ ٦٤ ، وسنن الترمذي : ٤ ـ ٥٠.
(٢) وارجع إلى أحكام الجصاص : ٦١ ـ ٦٥.
(٣) من ل ، والقرطبي. وانظر البخاري : ١٣١٤
(٤) في ل : في ، وفي القرطبي : مجرى.
(٥) مفحص القطاة : حيث تفرخ فيه من الأرض.
(٦) في القرطبي : ضرى.
(٧) في ل : بسرقة الحبل والبيضة.
(٨) في القرطبي : لا قطع في ثمر معلق ، ولا في حريسة جبل فإذا أواه المراخ أو الجرين فالقطع فيما بلغ ثمن المجن. والكثر : الجمار ، وانظر ابن ماجة : ٨٣٩ ، وأحكام الجصاص : ٤ ـ ٦٦ ، والترمذي : ٤ ـ ٥٢.