علىّ أن لم أوله نسخ القرآن ، وقدمت زيدا عليه ، فهلا غضب على أبى بكر وعمر حين قدما زيدا لكتابته وتركاه ، إنما اتبعت أنا أمرهما ، فما بقي أحد من الصحابة إلا حسّن قول عثمان وعاب ابن مسعود.
وهذا بيّن جدا ، وقد أبى الله أن يبقى لابن مسعود في ذلك أثرا ، على أنه قد روى عنه أنه رجع عن ذلك وراجع أصحابه في الاتباع لمصحف عثمان ، والقراءة به.
المسألة الثامنة ـ فأما سبب اختلاف القرّاء بعد ربط الأمر بالثبات وضبط القرآن بالتقييد.
قلنا : إنما كان ذلك للتوسعة التي أذن الله فيها ، ورحم بها من قراءة القرآن على سبعة أحرف ؛ فأقرأ النبىّ صلى الله عليه وسلم بها ، وأخذ كلّ صاحب من أصحابه حرفا أو جملة منها. وقد بيناه في تفسير الحديث تارة في جزء مفرد ، وتارة في شرح الصحيحين ، ولا شكّ في أنّ الاختلاف في القراءة كان أكثر مما في ألسنة الناس اليوم ، ولكن الصحابة ضبطت الأمر إلى حدّ يقيد مكتوبا ، وخرج ما بعده عن أن يكون معلوما ، حتى أنّ ما تحتمله الحروف المقيدة في القرآن قد خرج أكثره عن أن يكون معلوما ، وقد انحصر الأمر إلى ما نقله القراء السبعة بالأمصار الخمسة.
وقد روى أنّ عثمان أرسل ثلاثة مصاحف ، وروى أنه احتبس مصحفا ، وأرسل إلى الشام والعراق واليمن ثلاثة مصاحف ، وروى أنه أرسل أربعة إلى الشام والحجاز والكوفة والبصرة.
وروى أنه كانت سبعة مصاحف ، فبعث مصحفا إلى مكة ، وإلى الكوفة آخر ، ومصحفا إلى البصرة ، ومصحفا إلى الشام ، ومصحفا إلى اليمن ، ومصحفا إلى البحرين ، ومصحفا عنده. فأما مصحف اليمن والبحرين فلم يسمع لهما حبر.
قال القاضي : وهذه المصاحف إنما كانت تذكرة لئلا يضيع القرآن ، فأما القراءة فإنما أخذت بالرواية لا من المصاحف ، أما إنهم كانوا إذا اختلفوا رجعوا إليها فما كان فيها عوّلوا عليه ، ولذلك اختلفت المصاحف بالزيادة والنقصان ، فإن الصحابة أثبتت ذلك في بعض المصاحف ، وأسقطته في البعض ، ليحفظ القرآن على الأمّة ، وتجتمع أشتات الرواية ،