الضائع من القرآن عند رجلين. وهذا بعيد أن يكون الله قد وكل حفظ ما سقط وذهب عن الأجلّة الأماثل من القرآن برجلين : خزيمة ، وأبى خزيمة.
قال القاضي : قد بينا أنه يجوز أن ينسى الرجل الشيء ثم يذكره له آخر ، فيعود علمه إليه. وليس في نسيان الصحابة كلّهم له إلا رجل واحد استحالة عقلا ؛ لأنّ ذلك جائز ؛ ولا شرعا ؛ لأنّ الله ضمن حفظه ، ومن حفظه البديع أن تذهب منه آية أو سورة إلا عن واحد ، فيذكرها ذلك الواحد ، فيتذكّرها الجميع ؛ فيكون ذلك من بديع حفظ الله لها.
قال القاضي ابن العربي : ويقال له أيضا : هذا حديث صحيح متّفق عليه من الأئمة ، فكيف تدّعى عليه الوضع ، وقد رواه العدل عن العدل ، وتدعى فيه الاضطراب ، وهو في سلك الصواب منتظم ، وتقول أخرى : إنه من أخبار الآحاد ، وما الذي تضمن من الاستحالة أو الجهالة حتى يعاب بأنه خبر واحد.
وأما ما ذكرته في معارضته عن بعض رواته أو عن رأى فهو المضطرب الموضوع الذي لم لم يروه أحد من الأئمة ، فكيف يعارض الأحاديث الصحاح بالضعاف والثقات بالموضوعات؟ المسألة الخامسة ـ فإن قيل : فما كانت هذه المراجعة بين الصحابة؟
قلنا : هذا مما لا سبيل إلى معرفته إلا بالرواية ، وقد عدمت ، لا همّ إلا أنّ القاضي أبا بكر قد ذكر في ذلك وجوها ، أجودها خمسة :
الأول ـ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك ذلك مصلحة ، وفعله أبو بكر للحاجة الثاني ـ أنّ الله أخبر أنه في الصحف الأولى ، وأنه عند محمد في مثلها بقوله (١) : (يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً. فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) ؛ فهذا اقتداء بالله وبرسوله.
الثالث ـ أنهم قصدوا بذلك تحقيق قول الله (٢) : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) ؛ فقد كان عنده محفوظا ، وأخبرنا أنه يحفظه بعد نزوله ، ومن حفظه تيسير الصحابة لجمعه ، واتفاقهم على تقييده وضبطه.
الرابع ـ أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم كان يكتبه كتبته بإملائه إياه عليهم ، وهل يخفى
__________________
(١) سورة البينة ، آية ٢ ، ٣.
(٢) سورة الحجر ، آية ٩