تذكرها عرفها الخلق ، كالرجل تنساه فإذا رأيت وجهه عرفته ، أو تنسى اسمه وتراه ، ولا يجتمع لك العين والاسم ، فإذا انتسب عرفته.
المسألة الرابعة ـ من غريب المعاني أنّ القاضي أبا بكر بن الطيب سيف السنة ولسان الأمة تكلّم بجهالات على هذا الحديث ، لا تشبه منصبه ، فانتصبنا لها لنوقفكم على الحقيقة فيها : أولها ـ قال القاضي أبو الطيب : هذا حديث مضطرب ، وذكر اختلاف روايات فيه ، منها صحيحة ومنها باطلة ؛ فأما الروايات الباطلة فلا نشتغل بها ، وأما الصحيحة فمنها أنه قال : روى أن هذا جرى في عهد أبى بكر. وفي رواية أنه جرى في عهد عثمان ، وبين التاريخين كثير من المدة ؛ وكيف يصح أن نقول هذا كان في عهد أبى بكر ، ثم نقول : كان هذا في عهد عثمان ؛ ولو اختلف تاريخ الحديث في يوم من أوله وآخره لوجب ردّه ، فكيف أن يختلف بين هاتين المدتين الطويلتين؟
قال القاضي أبو بكر بن العربي : يقال للسيف هذه كهمة (١) من طول الضّراب ، هذا أمر لم يخف وجه الحق فيه ، إنما جمع زيد القرآن مرتين : إحداهما لأبى بكر في زمانه ، والثانية لعثمان في زمانه ، وكان هذا في مرتين لسببين ولمعنيين مختلفين ، أما الأول فكان لئلا يذهب القرآن بذهاب القراء ، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يذهب العلم في آخر الزمان بذهاب العلماء ، فلما تحصّل مكتوبا صار عدة لما يتوقع عليه. وأما جمعه في زمان عثمان فكان لأجل الاختلاف الواقع بين الناس في القراءة ، فجمع في المصاحف ليرسل إلى الآفاق ، حتى يرفع الاختلاف الواقع بين الناس في زمن عثمان.
ثانيها ـ قال ابن الطيب : من اضطراب هذا الحديث أنّ زيدا تارة قال : وجدت هؤلاء الآيات الساقطة ، وتارة لم يذكره ، وتارة ذكر قصة براءة ، وتارة قصة الأحزاب أيضا بعينها.
قال القاضي ابن العربي : يقال للسان هذه عثرة ، وما الذي يمنع عقلا أو عادة أن يكون عند الراوي حديث مفصّل يذكر جميعه مرة ، ويذكر أكثره أخرى ، ويذكر أقله ثالثة؟ ثالثها ـ قال ابن الطيب : يشبه أن يكون هذا الخبر موضوعا ؛ لأنه قال فيه : إن زيدا وجد
__________________
(١) سيف كهام : كليل.