وقد كان النبىّ صلى الله عليه وسلم يرسل كتبه مع الواحد ، ويأمر الواحد أيضا بتبليغ كلامه ، ويبعث الأمراء إلى البلاد وعلى السرايا ؛ وذلك لأنّ الأمر لو وقف فيها على التواتر لما حصل علم ، ولا تمّ حكم ، وقد بينا ذلك في أصول الفقه والدين.
المسألة الثانية ـ فيما روى فيها :
ثبت أن زيد بن ثابت قال : أرسل إلىّ أبو بكر الصديق مقتل أهل اليمامة ، فإذا عمر بن الخطاب عنده ، فقال : إنّ القتال قد استحرّ (١) بقرّاء القرآن يوم اليمامة ، وإنى أخشى أن يستحرّ القتل بالقرّاء في المواطن كلها ، فيذهب قرآن كثير ، وإنى أرى أن تجمع القرآن.
قال أبو بكر لعمر : كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر : هو والله خير ، فلم يزل يراجعني في ذلك حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر عمر ، ورأيت فيه الذي رأى.
قال زيد : قال أبو بكر : إنك شابّ عاقل لا نتّهمك ، قد كنت تكتب الوحى لرسول الله ؛ فتتبّع القرآن. قال : فو الله لو كلّفونى نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علىّ من ذلك.
قلت : كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبو بكر : هو والله خير. فلم يزل يراجعني في ذلك أبو بكر حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبى بكر وعمر. فتتبّعت القرآن أجمعه من الرقاع والعسب ، وذكر كلمة مشكلة تركناها.
قال زيد : فوجدت آخر براءة مع خزيمة بن ثابت : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ...) إلى : (الْعَظِيمِ). انتهى الحديث.
فبقيت الصحف عند أبي بكر ، ثم تناوما بعده عمر ، ثم صارت عند حفصة رضى الله عنهم ، فلما كان زمن عثمان حسبما ثبت في الصحيح قدم حذيفة بن اليمان على عثمان ، وكان يغازى أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق ، فرأى حذيفة اختلافهم في القرآن ، فقال لعثمان بن عفان : يا أمير المؤمنين ، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب ، كما اختلف اليهود والنصارى.
__________________
(١) استحر القتل : اشتد.