الثاني ـ أنّ هذا الذي خفّف عنه في المسربة رخصة للضرورة والحاجة ، والرخص لا يقاس عليها ، فإنها خارجة عن القياس ، فلا تردّ إليه.
المسألة السادسة ـ قوله : (أَحَقُ) :
هو أفعل من الحق ، وأفعل لا يدخل إلا بين شيئين مشتركين ، لأحدهما في المعنى الذي اشتركا فيه مزيّة على الآخر ، فيحلى بأفعل ، وأحد المسجدين ـ وهو مسجد الضّرار ـ باطل لاحظ (١) للحقّ فيه ، ولكن خرج هذا على اعتقاد بانيه أنه حقّ ، واعتقاد أهل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أو قباء أنه حقّ ، فقد اشتركا في الحق من جهة الاعتقاد ، لكن أحد الاعتقادين باطل عند الله ، والآخر حقّ باطنا وظاهرا ، وهو كثير كقوله (٢) : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) : يعنى من أهل النار. ولا خير في مقرّ النار ولا مقيلها ، ولكنه جرى على اعتقاد كلّ فرقة أنها على خير ، وأن مصيرها إليه ؛ إذ كلّ حزب في قضاء الله بما لديهم فرحون ، حتى يتميز بالدليل لمن عضد بالتوفيق في الدنيا ، أو بالعيان لمن ضلّ في الآخرة ، وقد جاء بعد هذا :
(أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
وهي الآية الموفية أربعين (٣).
ومعناه : أفمن أسس بنيانه على اعتقاد تقوى حقيقة خير أم من أسّس بنيانه على شفا جرف هار؟ وإن كان قصد به التقوى ، وليس من هذا القبيل : العسل أحلى من الخل ، فإن الخلّ حلو ، كما أن العسل حلو ؛ وكلّ شيء ملائم فهو حلو ، ولذلك يقال : احلولى العشق ، أى كان حلوا ، لكونه إما على مقتضى اللذة أو موافقة الأمنية؟ ألا ترى أنّ من الناس من يقدم الخلّ على العسل ، مفردا بمفرد ومضافا إلى غيره بمضاف.
المسألة السابعة ـ قوله : (فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ) :
قيل : إنه حقيقة ، وإنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم إذ أرسل إليه فهدم رئي الدخان يخرج منه ،
__________________
(١) في القرطبي : لا حق فيه.
(٢) سورة الفرقان ، آية ٢٤.
(٣) آية ١٠٩