لم يره حظّا في التشريف باسم عامّ يدخلون به في الحرمة ، وهي الأخوّة ، فقال : وددت أنى رأيت إخواننا. قلنا : ألسنا بإخوانك يا رسول الله؟ قال : بل أنتم أصحابى ، وإخواننا الذين يأتون من بعد ، فمن دخل في الهجرة أو ترسّم بالنصرة فقد كمل له شرف الصحبة ، ومن بقي على رسمه الأول بقي عليه اسمه الأول ، وهم الأعراب.
ولذلك قيل لما صار سلمة بن الأكوع في الرعية قال له الحجاج : يا سلمة ، تعرّبت ، ارتددت على عقبيك. فقال : إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لي في التعريب ، وبعد هذا فاعلموا ـ وهي :
المسألة الثالثة ـ أنّ كل مسلم كان عليه فرضا أن يأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون معه ، حتى تتضاعف النصرة ، وتنفسح الدّوحة ، وتحتمي البيضة ، ويسمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم دينهم ، ويتعلموا شريعتهم حتى يبلغوها إلى يوم القيامة ، كما قال صلى الله عليه وسلم : تسمعون ويسمع منكم ، ويسمع ممن سمع منكم ، فمن ترك ذلك ، وبقي في إبله وماشيته ، وآثر مسقط رأسه ، فقد غاب عن هذه الحظوظ ، وخاب عن سهم الشّرف ، وكان من صار مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ صار إليه مؤهّلا لحمل الشريعة وتبليغها ، متشرفا بما تقلّد من عهدتها ، وكان من بقي في موضعه خائبا من هذا الحظّ منحطّا عن هذه المرتبة. والذين كانوا معه يشاهدون آياته ، ويطالعون غرّته البهيّة ، كان الشك يختلج في صدورهم ، والنفاق يتسرّب إلى قلوبهم ، فكيف بمن غاب عنه ، فعن هذا وقع البيان بقوله : (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ) ؛ فمنهم من يتخذ ما ينفق في سبيل الله ، وعلى إعلاء كلمة الله مغرما لا مغنما ، ومنهم من يسلم له اعتقاده ؛ فيتخذ ما ينفق وسيلة إلى الله ، وقربة ورغبة في صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه ورضاه عنه.
تكملة : من خواصّ هؤلاء الخواص وسادة هؤلاء السادة (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ