أحدها ـ أنه قول الجلاس بن سويد : إن كان ما جاء به محمد حقّا فلنحن شرّ من الحمر. ثم إنه حلف ما قال ؛ قاله عروة وجاهد وابن إسحاق.
الثاني ـ أنه عبد الله بن أبىّ بن سلول حين قال (١) : (لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) ؛ قاله قتادة.
الثالث ـ أنه جماعة المنافقين قالوا ذلك ؛ قاله الحسن. وهو الصحيح ؛ لعموم القول ، ووجود المعنى فيه وفيهم ، وجملة ذلك اعتقادهم وقولهم إنه ليس بنبىّ (٢).
المسألة الثانية ـ في هذا دليل على أنّ الكفر يكون بكل ما يناقض التصديق والمعرفة ، وإن كان الإيمان لا يكون إلا بلا إله إلا الله دون غيره من الأقوال والأفعال ، حسبما بيّناه في أصول الفقه ومسائل الخلاف ، وذلك لسعة الحلّ وضيق العقد ، وذلك كالطلاق يقع بالنية والقول ، وليس يقع النكاح إلّا باللفظ المخصوص مع القول به.
المسألة الثالثة ـ قوله : (فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ) :
فيه دليل على توبة الكافر الذي يسرّ الكفر ويظهر الإيمان ، وهو الذي يسميه الفقهاء الزّنديق.
وقد اختلف في ذلك العلماء ، فقال مالك : لا تقبل له توبة. وقال الشافعى : تقبل. وليست المسألة كذلك ، وإنما يقول مالك : إن توبة الزّنديق لا تعرف ، لأنه كان يظهر الإيمان ويسرّ الكفر ، ولا يعلم إيمانه إلا بقوله. وكذلك يفعل الآن وفي كل حين ، يقول : أنا مؤمن ، وهو يضمر خلاف ما يظهر ، فإذا عثرنا عليه [وقال : تبت] (٣) لم يتغير حاله. وقبول التوبة لا يكون إلا لتوبة تتغيّر فيها الحالة الماضية بنقيضها في الآتية ، ولهذا قلنا : إنه إذا جاء تائبا من قبل نفسه قبل أن يعثر عليه قبلنا توبته ، وهو المراد بالآية ، فإنها ليست بعموم ، فتتناول كلّ حالة ؛ وإنما تقتضي القبول المطلقة فيكفى في تحقيق المعنى للفظ وجوده
__________________
(١) سورة المنافقون ، آية ٨.
(٢) في ا : بشيء. والمثبت من ل ، والقرطبي.
(٣) من القرطبي.