المسألة الأولى ـ قوله : (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ) :
يعنى تصادفهم وتلقاهم ، يقال : ثقفته أثقفه ثقفا إذا وجدته ، وفلان ثقف لقف (١) ؛ أى سريع الوجود لما يحاول من القول. وامرأة ثقاف. هكذا قال أهل اللغة ، وهو عندي بمعنى الحبس ، ومنه رجل ثقف ؛ أى يقيّد الأمور بمعرفته.
المسألة الثانية ـ قوله تعالى : (فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ) :
أى افعل بهم فعلا من العقوبة يتفرّق به من وراءهم ، ومنه شرد البعير والدابة إذا فارق صاحبه ومألفه ومرعاه ، وهذا أحد الأقسام الخمسة التي للإمام في الأسرى : من المن والفداء والاسترقاق والجزية والقتل ، وقد مهّدناها في مسائل الخلاف ، ويأتى هاهنا وفي سورة محمد(٢) عليه السّلام ، وهذا يعتضد بالآية التاسعة عشرة : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى ...) على ما يأتى بيانه إن شاء الله تعالى.
الآية الخامسة عشرة ـ قوله تعالى (٣) : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ).
فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى ـ في سبب نزولها :
نزلت في بنى قريظة حين أبدت من التحزّب مع قريش ونقض العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
المسألة الثانية ـ إن قيل : كيف يجوز نقض العهد مع خوف الخيانة ، والخوف ظنّ لا يقين معه ، فكيف يسقط يقين العهد بظنّ الخيانة ـ فعنه جوابان :
أحدهما ـ أن الخوف هاهنا بمعنى اليقين ، كما يأتى الرجاء بمعنى العلم ؛ كقوله (٤) : (لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً).
الثاني ـ إنه إذا ظهرت آثار الخيانة ، وثبتت دلائلها وجب نبذ العهد ، لئلا بوقع التمادي عليه في الهلكة ، وجاز إسقاط اليقين هاهنا بالظن للضرورة ، وإذا كان العهد قد وقع فهذا
__________________
(١) بالفتح ، وككتف ، وأمير : خفيف حاذق (القاموس).
(٢) الآية الرابعة منها.
(٣) آية ٥٨.
(٤) سورة نوح ، آية ١٣