الآية الثالثة عشرة ـ قوله تعالى (١) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) :
فيها أربع مسائل :
المسألة الأولى ـ قوله : (إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا) :
ظاهر في اللقاء ، ظاهر في الأمر بالثبات ، مجمل في الفئتين التي تلقى منا والتي تكون من مخالفينا ، بيّن هذا الإجمال الآية التي بعدها في تعديد المقاتلين ، وقد أمر الله هاهنا بالثبات عند قتالهم ، كما نهى في الآية قبلها عن الفرار عنهم ؛ فالتقى الأمر والنهى على شفا من الحكم بالوقوف للعدوّ والتجلّد له.
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا قال للبراء : أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا عمارة؟ قال : لا ، والله ما ولّى رسول الله ولكن ولّى سرعان (٢) [من] (٣) الناس ، فلقيتهم هوازن بالنبل (٤) ، ورسول الله على بغلته ، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب آخذ بلجامها ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أنا النبىّ لا كذب. أنا ابن عبد المطلب.
قال ابن عمر : لقد رأيتنا يوم حنين ، وإنّ الفئتين لمولّيتان ، وما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة رجل. وكلا الحديثين صحيح.
المسألة الثانية ـ قوله : (وَاذْكُرُوا اللهَ) :
فيه ثلاث احتمالات :
الأول ـ اذكروا الله عند جزع قلوبكم ؛ فإن ذكره يثبّت.
الثاني ـ اثبتوا بقلوبكم واذكروه بألسنتكم ؛ فإن القلب قد يسكن (٥) عند اللقاء ، ويضطرب اللسان ؛ فأمر بذكر الله حتى يثبت القلب على اليقين ، ويثبت اللسان على الذكر.
الثالث ـ اذكروا ما عندكم من وعد الله [لكم] (٦) في ابتياعه أنفسكم منكم ومثامنته لكم.
__________________
(١) الأنفال ، آية ٤٥ ، ٤٦.
(٢) سرعان الناس : أوائلهم المستبقون إلى الأمر.
(٣) من ل.
(٤) في ل : بالرمي.
(٥) في القرطبي (٨ ـ ٢٣) : فإن القلب لا يسكن ...
(٦) من ل ، والقرطبي.