ذلك يوم بدر بقوله (١) : (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ) ؛ فظن قوم أن ذلك إشارة إلى يوم بدر ، وليس به ؛ وإنما ذلك إشارة إلى يوم الزّحف.
والدليل عليه أن الآية نزلت بعد القتال وانقضاء الحرب ، وذهاب اليوم بما فيه ، وقد ثبت عن النبىّ صلى الله عليه وسلم حسبما قدمناه في الحديث الصحيح أن الكبائر كذا ... وعدّ الفرار يوم الزّحف. وهذا نص في المسألة يرفع الخلاف ، ويبيّن الحكم ، وقد نبهنا على النكتة التي وقع الإشكال فيها لمن وقع باختصاصه بيوم بدر.
المسألة الثالثة ـ أما يوم بدر مع النبىّ صلى الله عليه وسلم فلم يجز لهم أن يفرّوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ، ولا يسلموه لأعدائه حتى لا يبقى منهم على الأرض عين تطرف. وأما سائر الجيوش وأيام القتال فلها أحكام تستقصى في مواضعها إن شاء الله تعالى.
الآية الرابعة ـ قوله تعالى (٢) : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
هي من توابع ما تقدم وروابطه ؛ فإنّ السورة هي سورة بدر كلها ، وكلها مدنية إلا سبع آيات فإنها نزلت بمكة ، وهي قوله (٣) : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ...) إلى آخر الآيات السبع. وقد روى ابن وهب ، قال : أخبرنى مالك في قوله : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) ، هذا في حصب رسول الله المشركين يوم حنين. قال مالك : ولم يبق في ذلك اليوم أحد إلا وقد أصابه ذلك ، وذكر ما قالت له أم سليم.
وكذلك روى عنه ابن القاسم أيضا ، وقد روى عن محمد بن إسحاق ، أنها كانت في يوم بدر لما استوت الصّفوف ونزل جبريل آخذا بعنان فرسه يقوده ، على ثناياه النّقع. فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حثية (٤) من الحصباء ، فاستقبل بها قريشا ، فقال : شاهت الوجوه. ثم تفخم بها وأمر أصحابه فقال : شدّوا ؛ فكانت الهزيمة ، وقتل الله من قتل من صناديد قريش ، وأسر من أسر من أشرافهم.
وقال ابن المسيّب : كان هذا يوم أحد حين رمى أبىّ بن خلف الحربة ، فكسر ضلعا
__________________
(١) سورة الأنفال ، آية ١٦.
(٢) الآية ١٧.
(٣) الآية ٣٠.
(٤) في ل : حفنة.