ما مثل هذا؟ مثل صنيع (١) الذي ضربه عمر بالدّرة حتى سالت الدماء على عقبيه أو على رجليه. فقال الرجل : أما أنت فقد انتقم الله منك لابن عمر (٢).
وقال السدّى وعطاء : هي ما شذّ من المشركين.
وعن مجاهد : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمس بعد الأربعة الأخماس ، فقال المهاجرون : لمن يدفع هذا الخمس؟ لم يخرج منّا. فنزلت : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ). والصحيح أنه من الخمس ، كما روى في صحيح مسلم أنّ الإمام يعطى منه ما شاء من سلب أو غيره ؛ خلافا للشافعي ، ومن قال بقوله من فقهاء الأمصار. فأما هذا السؤال هاهنا فإنما هو عن أصل الغنيمة التي نفل على ما أنزل الله لنا من الحلال على الأمم.
المعنى : يسألك أصحابك يا محمد عن هذه الغنيمة التي نفّلتكها. قل لهم : هي لله وللرسول ، فاتقوا الله ولا تختلفوا ، وأصلحوا ذات بينكم ، لئلا يرفع تحليلها عنكم باختلافكم.
وقد روى عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر : من فعل كذا وكذا فله كذا وكذا. فتسارع إلى ذلك الشبان ، وثبت الشيوخ تحت الرايات ، فلما فتح (٣) عليهم جاءوا يطلبون شرطهم ، فقال الشيوخ : لا تستأثروا به علينا ، كنا ردءا (٤) لكم ، لو انهزمتم (٥) لانحزتم إلينا ، فأبى الشبان وقالوا : جعله رسول الله لنا ، فتنازعوا فأنزل الله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ).
وروى أنهم اختلفوا فيها على ثلاث فرق ؛ فقال قوم : هو لنا ، حرسنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال آخرون : هو لنا ، اتبعنا أعداء رسول الله. وقالت أخرى : نحن أولى بها ، أخذناها ، فنزلت : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ ...) الآية.
وروى أبو أمامة الباهلىّ ، قال : سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال ، فقال : فينا ـ أصحاب بدر ـ نزلت ، حين اختلفنا في النفل ، وساءت فيه أخلاقنا ، فنزعه الله من أيدينا ، فجعله إلى رسوله ، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين على بواء ؛ أى على السواء.
__________________
(١) في ل : هذا مثل صنيع.
(٢) في ابن كثير : أما أنت فقد انتقم الله لعمر منك.
(٣) في ل : فلما فتح الله عليهم.
(٤) الردء : العون.
(٥) في ل : لو انحزتم إلينا.