فضرب له أجلا ثلاثين ليلة ، فخرج لوعد ربه ، فزاد الله عشرا تتمة أربعين ليلة ، وأبطأ موسى في هذه العشر على قومه ، فما عقلوا جواز التأخر لعذر حتى قالوا : إنّ موسى ضلّ أو نسى ، ونكثوا عهده ، وبدّلوا بعده ، وعبدوا إلها غير الله.
المسألة الثالثة ـ الزيادة التي لا تكون على الأجل غير مقدرة ، كما أن الأجل غير مقدر ، وإنما يكون ذلك باجتهاد الحاكم بعد النظر إلى المعاني المتعلقة بالأمر ؛ من وقت وحال وعمل ، فيكون الأجل بحسب ذلك ؛ فإذا قدّر الزيادة باجتهاده ، فيستحبّ له أن تكون [الزيادة] مثل ثلث المدة السالفة ، كما أجّل الله لموسى في الزيادة ثلث ما ضربه له من المدة. وإن رأى الحاكم أن يجمع له الأصل في الأجل والزيادة في مدة واحدة جاز ، ولكن لا بدّ من التربّص (١) بعدها لما يطرأ من العذر على البشر.
المسألة الرابعة ـ التاريخ إنما يكون بالليالي دون الأيام ؛ لأنّ الليالى أوائل الشهور ، وبها كانت الصحابة تخبر عن الأيام ، حتى روى عنها أنها كانت تقول : صمنا خمسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. والعجم تخالفنا ذلك فتحسب بالأيام ؛ لأنّ معوّلها على الشمس ، وحساب الشمس للمنافع ، وحساب القمر للمناسك ، ولهذا قال تعالى : (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ ، فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً).
المسألة الخامسة ـ اتفق كثير من المفسرين على أنّ الأربعين ليلة هي ذو القعدة وعشر من ذي الحجة ، وكان كلام الله لموسى غداة يوم النحر حين فدى إسماعيل من الذبح ، وأكمل لمحمد الحجّ ، وجعل يوم الحجّ الأكبر.
وهذا إن ثبت من طريق الخبر فلا بأس به ، وإن كان غير ثابت فالأيام العشر ذات فضل يبيّن في موضعه إن شاء الله تعالى.
المسألة السادسة ـ الوقت معنى غير مقدر ، والميقات : هو الوقت الذي بقدّر بعمل.
الآية الرابعة عشرة ـ قوله تعالى (٢) : (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ).
__________________
(١) التربص : الانتظار.
(٢) الآية الخامسة والأربعون بعد المائة.