والصحيح جواز ذلك كلّه كما في تفصيل الأصول ، لكن لو ثبت بالسنة محرم غير هذه لما كان ذلك نسخا ؛ لأنّ زيادة محرّم على المحرمات أو فرض على المفروضات لا يكون نسخا بإجماع من المسلمين ، لا سيما وما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحمر الأهلية مختلف في تأويله على أربعة أقوال :
الأول ـ أنها محرّمة كما قالوا.
الثاني ـ أنها حرمت بعلّة أن جائيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : فنيت الحمر. فنيت الحمر. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ينادى بتحريمها لعلة خوف الفناء عليها ؛ فإذا كثرت ولم يضرّ فقدها بالحمولة جاز أكلها ؛ فإن الحكم يزول بزوال العلة.
الثالث ـ أنها حرمت لأنها طبخت قبل القسمة.
الرابع ـ أنها حرمت لأنها كانت جلّالة ـ خرجه أبو داود.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل جلّالة البقر (١). وهذا بديع في وجه الاحتجاج بها ، وقد استوفيناه في شرح الحديث الصحيح.
وكذلك ما روى (٢) عنه في كل ذي ناب من السباع ومخلب والطير إنما ورد في المسند الصحيح بقوله نهى ، ويحتمل ذلك النهى التحريم (٣) ، ويحتمل الكراهية ، مع اختلاف أحوال السباع في الافتراس. ألا ترى إلى الكلب والهرّ والضبع فإنها سباع ، وقد وقع الأنس بالهر مطلقا وببعض الكلاب ، وجاء الحديث عن جابر أن الضبع صيد ، وفيها كبش.
ولسنا نمنع أن يضاف إليها بالسنة ما صحّ سنده ، وتبيّن مورده ، وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (٤) : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : رجل زنى بعد إحصان ، أو كفر بعد إيمان ، أو قتل نفسا بغير نفس. وهذا كلّه على أن مورد الآية مجهول. فأما إذا تبيّنا أن موردها يوم عرفة فلا يحرم إلا ما فيها ، وإليه أميل ، وبه أقول.
__________________
(١) في ل : القرى.
(٢) في ل : ما ورد.
(٣) في ل : ويحتمل ذلك المنع الجزم.
(٤) ابن ماجة : ٨٤٧