الليل ، ومنه سمّى الجن ، لاجتنانهم عن الأبصار ، وكذلك الجنة في قوله تعالى (١) : (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً) ؛ سمّوا بذلك لاجتنانهم.
المسألة الثالثة ـ قوله : (مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ) : يعنى رفعت على الأعواد ، وصينت عن تدلّى الثمر على الأرض ، وأظهرت للإدراك ، وسهل جمعها دون انحناء.
والعرش ؛ كل ما ارتفع فوق غيره. وقيل : تعريشها حياطتها بالجدر ، وما قام مقامها ، حتى لا يكون فيها مدخل لأحد ؛ والأول أقوى في الاشتقاق.
وقد قيل في قوله (٢) : (خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) : يعنى على أعاليها ، ولعله على جدرانها ، وأشار بذلك إلى حدائق الأعناب التي هي الكروم في ألسنة العرب ، ثم قال بعد ذلك ـ وهي :
المسألة الرابعة ـ (وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ) ، وفرّق بينهما ؛ لأنهما أصلا المعاش ، وعمادا القوت ، ثم فرّق بين الزيتون والرمان في وزان آخر ـ وهي :
المسألة الخامسة ـ ووصفها بأنها متشابهة وغير متشابهة ؛ يعنى أن منها ما يتشابه في الظاهر ، ويخالفه في الباطن ؛ ومنها ما يشتبه في اللون ، ويختلف في الطعم ؛ وفي ذلك دليلان عظيمان :
أحدهما ـ على المنّة منه سبحانه علينا ، والنعمة التي هيّأها لنا ـ وهي :
المسألة السادسة ـ فلو شاء ربّنا إذ خلقنا أحياء ألّا يخلق لنا غذاء ، أو إذ خلقه ألّا يكون جميل المنظر طيّب الطعم ، أو إذ خلقه كذلك ألّا يكون سهل الجنى ، فلم يكن عليه أن يفعل ذلك ابتداء لأنه لا يجب عليه شيء ، وإن فعله فبفضله ، كابتداء خلقه في تعديد النعم وتقرير الفضل والكرم والشهادة على الابتداء بالثواب قبل العقاب ، وبالعطاء قبل العمل.
الدليل الثاني على القدرة في أن يكون الماء الذي من شأنه الرسوب يصعد بقدرة الواحد القادر علّام الغيوب من أسافل الشجر إلى أعاليها ، ويترقّى من أصولها إلى فروعها ، حتى إذا انتهى إلى آخرها نشأ فيها أوراق ليست من جنسها ، وثمار خارجة عن صفتها ، فيها الجرم الوافر ، واللّون الزاهر ، والجنى (٣) الجديد ، والطعم اللذيذ ؛ فأين الطبائع وأجناسها؟
__________________
(١) سورة الصافات : آية ١٥٨.
(٢) سورة البقرة : آية ٢٥٩.
(٣) الجنى : ما يجنى من الشجر ما دام غضا (المصباح).