الثاني ـ أنه استثناء متصل ، وهو ظاهر الاستثناء ، ولكنه يرجع إلى ما بعد قوله تعالى : (وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ ـ وَالْمُنْخَنِقَةُ) إلى (... ما أَكَلَ السَّبُعُ).
الثالث ـ أنه يرجع الاستثناء إلى التحريم لا إلى المحرم ، ويبقى على ظاهره.
المسألة التاسعة في المختار :
وذلك أنّا نقول : إن الاستثناء المنقطع لا ينكر في اللغة ولا [في الشريعة] (١) في القرآن ولا في الحديث حسبما أشرنا إليه في سورة النساء ، كما أنه لا يخفى أنّ الاستثناء المتصل هو أصل اللغة ، وجمهور الكلام ، ولا يرجع إلى المنقطع إلا إذا تعذّر المتصل. وتعذّر المتصل يكون من وجهين : إما عقليا وإما شرعيا ؛ فتعذّر الاتصال العقلي هو ما قدمناه من الأمثلة قبل هذا في الأول. وأما التعذّر الشرعي (٢) فكقوله تعالى (٣) : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ). فإنّه قوله : (إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) ليس رفعا لمتقدم ، وإنما هو بمعنى لكن. وقوله (٤) : (طه. ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى. إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى). وقوله (٥) : (إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ. إِلَّا مَنْ ظَلَمَ).
عدنا إلى قوله : (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) ، قلنا : فأما الذي يمنع أن يعود إلى ما يمكن إعادته إليه ، وهو قوله : (الْمُنْخَنِقَةُ) إلى آخرها كما قال علىّ رضى الله عنه : إذا أدركت ذكاة الموقوذة وهي تحرك يدا أو رجلا فكلها ، وبه قال ابن عباس وزيد بن ثابت ؛ وهو خال عن مانع شرعىّ يردّه ؛ بل قد أحلّه الشرع ؛ فقد ثبت أن جارية لكعب بن مالك كانت ترعى غنما بالجبل الذي بالسوق ، وهو سلع (٦) ، فأصيبت منها شاة فكسرت حجرا فذبحتها ، فذكروا ذلك للنبي صلّى الله عليه وسلم فأمر بأكلها.
وروى النسائي عن زيد بن ثابت ـ أن ذئبا نيّب (٧) شاة فذبحوها بمروة (٨) ، فرخّص النبي صلّى الله عليه وسلم في أكلها.
__________________
(١) ليس في ل.
(٢) في ل : وأما تعذر الاتصال الشرعي.
(٣) سورة يونس ، آية ٩٨
(٤) سورة طه ، آية ١ ، ٢ ، ٣.
(٥) سورة النمل ، آية ١٠ ، ١١
(٦) في القرطبي : كانت ترعى غنما له بسلع. وسلع : جبل بسوق المدينة (ياقوت).
(٧) في ا : نيبت.
ونيب الشاة : أثر فيها بنابه (القاموس).
(٨) المرو : حجارة بيض براقة (القاموس).