المسألة الثانية عشرة ـ «مثل» :
قرئ بخفض مثل على الإضافة إلى «فجزاء». وبرفعه وتنوينه صفة للجزاء ؛ وكلاهما صحيح رواية ، صواب معنى ، فإذا كان (١) على الإضافة اقتضى ذلك أن يكون الجزاء غير المثل ؛ إذ الشيء لا يضاف إلى نفسه ، وإذا كان على الصفة برفعه وتنوينه اقتضى ذلك أن يكون المثل هو الجزاء بعينه ، لوجوب كون الصفة عين الموصوف ؛ وسترى ذلك فيما بعد مشروحا إن شاء الله.
المسألة الثالثة عشرة ـ قوله تعالى : (مِنَ النَّعَمِ) :
قد بينا في ملجئة المتفقهين درجات حرف من ، وأنّ من جملتها بيان الجنس ، كقولك: خاتم من حديد ، وقدمنا قول أبى بكر السراج في شرح كتاب سيبويه الذي أوقفنا عليه شيخ السنة في وقته أبو على الحضرمي رحمه الله : إنها لا تكون للتبعيض بحال ، ولا في موضع ، وإنما يقع التبعيض فيها بالقرينة ، فجاءت مقترنة بقوله : (مِنَ النَّعَمِ) ؛ لبيان جنس مثل المقتول المفدى (٢) ، وأنه من الإبل والبقر والغنم. والله أعلم.
المسألة الرابعة عشرة ـ قوله تعالى : (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) :
قد تقدم تحقيقه ، ومثل الشيء حقيقته (٣) وهو شبهه في الخلقة الظاهرة ، ويكون مثله في معنى ، وهو مجازه ؛ فإذا أطلق المثل اقتضى بظاهره حمله على الشبه الصّورى دون المعنى (٤) ، لوجوب الابتداء بالحقيقة في مطلق الألفاظ قبل المجاز حتى يقتضى الدليل ما يقضى فيه من صرفه عن حقيقته إلى مجازه ؛ فالواجب هو المثل الخلقي ؛ وبه قال الشافعى.
وقال أبو حنيفة : إنما يعتبر بالمثل في القيمة دون الخلقة.
والدليل على صحة ما ذهبنا إليه الآية المتقدمة ، وذلك من أربعة أوجه :
الأول ـ ما قدّمناه من أنّ المثل حقيقة هو المثل من طريق الخلقة.
الثاني ـ أنه قال : (مِنَ النَّعَمِ) ؛ فبيّن جنس المثل ، ولا اعتبار عند المخالف بالنعم بحال.
__________________
(١) في ل : فأما إذا كان.
(٢) في ل : المعمول المعدى.
(٣) في ا : حقيقة.
(٤) في ل : المعنوي.