وقال أبو حنيفة : تجزئ ، وهو يقول : تجزئ القيمة في الزكاة ، فكيف في الكفارة؟ وعمدته أن الغرض سدّ الخلّة (١) ، ورفع الحاجة ، فالقيمة تجزئ فيه.
قلنا : إن نظرتم إلى سدّ الخلّة فأين العبادة؟ وأين نصّ القرآن على الأعيان الثلاثة والانتقال بالبيان من نوع إلى نوع ؛ ولو كان المراد القيمة لكان في ذكر نوع واحد ما يرشد إليه ويغنى عن ذكر غيره.
المسألة التاسعة عشرة ـ إذا دفع الكسوة إلى ذمّى (٢) أو الطعام لم يجزه. وقال أبو حنيفة : يجزئ لأنه مسكين يتناوله لفظ المسكنة ، ويشتمل عليه عموم الآية ، فعلينا التخصيص ، فتخصيصه بوجهين : أحدهما أن نقول : هو كافر ، فلا يستحق في الكفارة حقّا كالحربي ، أو نقول (٣) : جزء من المال يجب إخراجه للمساكين ، فلا يجوز للكافر ، أصله الزكاة. وقد اتفقنا معه على أنه لا يجوز دفعها للمرتدّ ، فكلّ دليل خص به المرتد فهو دليلنا في الذمي.
المسألة الموفية عشرين ـ قوله تعالى : (أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) :
سمعت عن البائس أنه قال : يجزئ المعيب ، فإن أراد به العيب اليسير الذي لا يفسد جارحة ، ولا معظم منفعتها ، كثلاثة أصابع من كفّ ، فلا بأس به. وإن أراد العيب المطلق فقد خسرت صفقته ؛ لأن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال : ما من امرئ مسلم يعتق امرأ مسلما إلا كان فكاكه من النار ، كلّ عضو منه بعضو حتى الفرج بالفرج ؛ ولأنّا لا نسلم أنّ المعيب رقبة مطلقة.
المسألة الحادية والعشرون ـ ولا تكون كافرة ، وإن كان مطلق اللفظ يقتضيها ؛ لأنها قربة واجبة ، فلا يكون الكافر محلا لها كالزكاة. وقد بيناها في التلخيص ، وهي طيولية فلتنظر هناك.
المسألة الثانية والعشرون ـ قوله تعالى : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) :
المعدم للقدرة على ما ذكر الله سبحانه يكون لوجهين : إما لمغيب المال عن الحالف ،
__________________
(١) الخلة : الحاجة.
(٢) في القرطبي : إذا دفع الكسوة إلى ذمي أو عبد.
(٣) هذا هو الوجه الثاني.