واختار الشافعىّ رواية أبى جعفر [عن جابر] (١) ـ أن يجمع بين التهليل والتكبير والتحميد ، وذكرها ابن الجلاب من أصحابنا.
واختار علماؤنا التكبير المطلق ، وهو ظاهر القرآن ، وإليه أميل. والله أعلم.
وكانت الحكمة في ذلك على ما ذكره علماؤنا رحمة الله عليهم الإقبال على التكبير والتهليل ، وذكر الله تعالى عند انقضاء المناسك شكرا على ما أولى من الهداية وأنقذ به من الغواية ، وبدلا عما كانت الجاهلية تفعله من التفاخر بالآباء ، والتظاهر بالأحساب ، وتعديد المناقب ، على ما يأتى تبيانه في موضعه إن شاء الله تعالى.
الآية السابعة والثلاثون ـ قوله تعالى (٢) : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ. تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها ، كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ).
فيها تسع عشرة مسألة :
المسألة الأولى ـ في سبب نزولها :
روى الأئمة : البخاري (٣) وغيره ، عن البراء ـ أنّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا حضر الإفطار فنام الرجل منهم قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي ، وأنّ قيس بن صرمة الأنصارى كان صائما ، فلما حضر الإفطار أتى امرأته ، فقال : أعندك طعام؟ قالت : لا ، ولكني أنطلق فأطلب ، وكان يعمل يومه ، فغلبته عيناه ، فجاءته امرأته ، فلما رأته قد نام قالت : خيبة لك ؛ فلما انتصف النهار غشى عليه ، فذكرت ذلك للنبىّ صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية.
وروى الطبري نحوه ، وأنّ عمر (٤) رضى الله عنه رجع من عند النبي صلى الله عليه وسلم
__________________
(١) من م.
(٢) الآية السابعة والثمانون بعد المائة.
(٣) صحيح البخاري : ٣ ـ ٣٤
(٤) في القرطبي : وروى الطبري نحوه أن عمر.