فأما السبع عشرة منهنّ فدليلهنّ ظاهر. وأما الملاعنة فمختلف فيها ؛ قال أبو حنيفة : ليس تحريمها مؤبّدا ؛ فإنه إذا أكذب (١) نفسه حلّ له رجعتها ، وبناء على أنّ فرقة اللعان طلاق ؛ لأجل أنها متعلقة بلفظ الزوج كالطلاق ، مفتقرة إلى الحاكم كطلاق العنّين ، ولأنه سبب أوجبه اللعان ، فزال بالتكذيب ؛ فنفى بلعانه ويعود بتكذيبه.
والنكتة العظمى لهم أنهم قالوا : أوجب حرمة لأوجد محرمية كالرضاع.
وبالجملة فالمعاني لهم ، والنظائر والأصول معهم ، وليس لنا نحن إلّا حديث ابن عمر في صحيح مسلم وغيره قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (٢) : حسابكما على الله ، أحدكما كاذب. لا سبيل لك عليها. قال : يا رسول الله ، ما لي؟ قال : لا مال لك. إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها ، وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعد لك منها.
وأما المنكوحة في العدّة فهو النظر الصحيح ؛ لأنه استعجل محرما قبل حلّه فحرمه أبدا ؛ كالقاتل لا يمكّن من الميراث ، والمستبرأة معتدة ، العلة واحدة ، والمحلّ واحد ، والسبب واحد ؛ فلما اتّحدا اتّحد الحكم والحامل أوقع ، والدليل فيها الجمع (٣) ، والمطلقة ثلاثا قرآنية ، وكذلك المشركة ، والأمتان تأتيان مبينتين إن شاء الله.
وأما أمة الابن فكلّ محرّم في كتاب الله مما تقدّم بيانه فإنّ لفظه ومعناه عامّ في النكاح وملك اليمين ، فدخل فيه تحريم ملك اليمين ، وأمة الابن من حلائل الابن لفظا ، أو معنى ولفظا ، أو معنى من غير لفظ ، والكلّ في اقتضاء التحريم درجات ، وله مقتضيات ؛ وكذلك تحريم الجمع دخل فيه الجمع بملك اليمين لما بيناه.
وأما المحرمة فقال أبو حنيفة والبخاري وجماعة : نكاح المحرم جائز بالعقد دون الوطء.
وقال مالك والشافعى : لا يجوز ، ولا عمدة لهما فيه إلّا حديث نبيه بن وهب ، خرّجه مالك : لا ينكح المحرم ، ولا ينكح. وضعف البخاري نبيه بن وهب ، وتعديل مالك وعلمه به أقوى من علم كلّ بخارى وحجازي ، فلا يلتفت لغيره.
وأما حديث البخاري في ميمونة أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلّم تزوّجها محرما ، فعجبا للبخاري يدخله مع عظيم الخلاف فيه ويترك أمثاله ، ولا يعارض حديث نبيه المتّفق عليه
__________________
(١) في ل : كذب نفسه.
(٢) صحيح مسلم : ١١٣٢
(٣) في ل : أنجع.