الثالث ـ أن يدعى الكاتب والشهيد وهما مشغولان معذوران ؛ قاله عكرمة وجماعة. وتحقيقه أنّ يضار تفاعل من الضرر. قوله تعالى : (يُضَارَّ) يحتمل أن يكون تفاعل بكسر العين ، ويحتمل أن يكون بفتحها ، فإن كان بكسر العين فالكاتب والشاهد فاعلان ، فيكون المراد نهيهما عن الضرر بما يكتبان به أو بما يشهدان عليه ، وإن كان بفتح العين فالكاتب والشاهد مفعول بهما ، فيرجع النهى إلى المتعاملين ألّا يضرّا بكاتب ولا شهيد في دعائه في وقت شغل ولا بأدائه وكتابته ما سمع ؛ فكثير من الكتّاب الشهداء يفسقون بتحويل الكتابة والشهادة أو كتمها ، وإما متعامل يطلب من الكاتب والشاهد أن يدع شغله لحاجته أو يبدّل له كتابته أو شهادته ؛ قال الله سبحانه : (وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ).
المسألة الثانية والأربعون ـ قوله تعالى : (١) : (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ).
اختلف الناس في هذه الآية على قولين :
فمنهم من حملها على ظاهرها ولم يجوّز الرهن إلّا في السفر ؛ قاله مجاهد.
وكافّة العلماء على ردّ ذلك ؛ لأن هذا الكلام ؛ وإن كان خرج مخرج الشرط ، فالمراد به غالب الأحوال. والدليل عليه أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم ابتاع في الحضر ورهن ولم يكتب.
وهذا الفقه صحيح ، وذلك لأنّ الكاتب إنما يعدم في السفر غالبا ، فأما في الحضر فلا يكون ذلك بحال.
المسألة الثالثة والأربعون ـ قوله تعالى : (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) دليل على أنّ الرهن لا يحكم (٢) له في الوثيقة إلّا بعد القبض ، فلو رهنه قولا ولم يقبضه فعلا لم يوجب ذلك له حكما. قال الشافعى : لم يجعل الله الحكم إلّا لرهن موصوف بالقبض ، فإذا عدمت الصفة وجب أن يعدم الحكم.
__________________
(١) هذه الآية هي الثالثة والثمانون بعد المائة من سورة البقرة.
(٢) في ل : لا حكم.