صدقة ، وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة ، وليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة.
وقد حققنا ذلك في موضعه من مسائل الخلاف ، وتقصّينا القول على الحديث.
المسألة السادسة ـ في هذه الآية فائدة ؛ وهي معرفة معنى الخبيث ، فإنّ جماعة قالوا : إنّ الخبيث هو الحرام ، وزلّ فيه صاحب العين فقال : الخبيث كلّ شيء فاسد ، وأخذه ـ والله أعلم ـ من تسمية الرّجيع خبيثا.
وقال يعقوب : الخبيث : الحرام ، وهذا تفسير منه للغة بالشرع ، وهو جهل عظيم.
والصحيح أنّ الخبيث ينطلق على معنيين :
أحدهما ـ ما لا منفعة فيه ، كقوله صلّى الله عليه وسلّم : كما ينفى الكير خبث الحديد.
الثاني ـ ما تنكره النفس ، كقوله تعالى : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ).
الآية الرابعة والثمانون ـ قوله تعالى (١) : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ، وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ ، وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
فيها مسألتان :
المسألة الأولى ـ اختلف الناس في الآية على قولين :
أحدهما ـ أنها صدقة الفرض. الثاني ـ أنها صدقة التطوّع.
قال ابن عباس في الآية : جعل الله تعالى صدقة السرّ في التطوع تفضل صدقة العلانية بسبعين ضعفا ، وجعل صدقة العلانية في الفرض تفضل صدقة السر بخمسة وعشرين ضعفا.
المسألة الثانية ـ أمّا صدقة الفرض فلا خلاف أنّ إظهارها أفضل ؛ كصلاة الفرض وسائر فرائض الشريعة ؛ لأن المرء يحرز بها إسلامه ، ويعصم ماله.
وليس في تفضيل صدقة العلانية على السر ولا في تفضيل صدقة السر على العلانية حديث صحيح يعوّل عليه ، ولكنه الإجماع الثابت.
__________________
(١) الآية الواحدة والسبعون بعد المائتين.