فلا يكون لقوله تعالى : (سَرِّحُوهُنَ) معنى.
المسألة الرابعة ـ حكم الإمساك بالمعروف أنّ للزوج إذا لم يجد ما ينفق على الزوجة أن يطلّقها ؛ فإن لم يفعل خرج عن حدّ المعروف ، فيطلقها عليه الحاكم من أجل الضرر اللاحق لها في بقائها عند من لا يقدر على نفقتها.
فإن قيل : فإذا كان هذا العاجز عن النفقة لا يمسك بالمعروف ، فكيف تكلّفونه أنتم غير المعروف ، وهو الإنفاق ، ولا يجوز تكليف ما لا يطاق؟
قلنا : إذا لم يطق الإنفاق (١) بالمعروف أطاق الإحسان بالطلاق ، وإلّا فالإمساك مع عدم الإنفاق ضرار. وفي الحديث الصحيح للبخاري : تقول لك زوجك : أنفق علىّ وإلّا طلّقنى. ويقول لك عبدك : أنفق علىّ وإلّا بعني. ويقول لك ابنك : أنفق علىّ ، إلى من تكلني!
المسألة الخامسة ـ هذا يدلّ على أنّ الرجعة لا تكون إلا بقصد الرغبة ، فإن قصد أن يمنعها النكاح ويقطع بها في أملها من غير رغبة اعتداء عليها فهو ظالم لنفسه ، فلو عرفنا ذلك نقضنا رجعته ، وإذا لم نعرف نفذت ، والله حسيبه.
المسألة السادسة ـ قوله تعالى : (وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً).
قال علماؤنا : معناه لا تأخذوا أحكام الله في طريق الهزء ، فإنها جدّ كلها ، فمن هزأ بها لزمته.
وهذا اللفظ لا يستعمل إلّا بطريق القصد إلى اتخاذها هزوا ؛ فأما لزومها عند اتخاذها هزوا فليست من قوة اللفظ ؛ وإنما هو مأخوذ من جهة المعنى على ما بيّناه في مسائل الخلاف.
ومن اتخاذ آيات الله هزوا ما روى عن ابن عباس أنه سئل عن رجل قال لامرأته : أنت طالق مائة. فقال : يكفيك منها ثلاث ، والسبعة والتسعون اتخذت بها آيات الله هزوا. فمن اتخاذها هزوا على هذا مخالفة حدودها فيعاقب بإلزامها ، وعلى هذا يتركب طلاق الهازل ؛ ولست أعلم خلافا في المذهب في لزومه ؛ وإنما اختلف قول مالك في نكاح الهازل ؛ فقال عنه على بن زياد : لا يلزم ، ومن أراد أن يخرّج على هذا طلاق الهازل فهو ضعيف النظر ؛ لأنّ إبطال نكاح الهازل يوجب إلزام طلاقه ؛ لأنّ فيه تغليب التحريم في
__________________
(١) في ا : الانفاق ، وهو تحريف.