الفصل الأول : كلمة القرء كلمة محتملة للطهر والحيض احتمالا واحدا ، وبه تشاغل الناس قديما وحديثا من فقهاء ولغويين في تقديم أحدهما على الآخر ؛ وأوصيكم ألّا تشتغلوا (١) الآن بذلك لوجوه ؛ أقربها أنّ أهل اللغة قد اتفقوا على أن القرء الوقت ، يكفيك هذافيصلا بين المتشعبين (٢) وحسما لداء المختلفين ؛ فإذا أرحت نفسك من هذا وقلت : المعنى : والمطلقات يتربّصن بأنفسهن ثلاثة أوقات ، صارت الآية مفسرة في العدد محتملة في المعدود ، فوجب طلب بيان المعدود من غيرها ، وقد اختلفنا فيها ؛ ولنا أدلّة ولهم أدلة استوفيناها في تلخيص الطريقتين على وجه بديع ، وخلصنا بالسّبك منها في تخليص التلخيص ما يغنى عن جمعه اللبيب ؛ وأقربها الآن إلى الغرض أن تعرض عن المعاني لأنها بحار تتقامس (٣) أمواجها ، وتقبل على الأخبار ؛ فإنها أول وأولى ، ولهم خبر ولنا خبر.
فأما خبرهم فقول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح المشهور : لا توطأ حامل حتى تضع ، ولا حائل حتى تحيض. والمطلوب من الحرّة في استبراء الرحم هو المطلوب من الأمة بعينه ؛ فنصّ الشارع صلى الله عليه وسلم على أن براءة الرحم الحيض ، وبه يقع الاستبراء بالواحد في الأمة ، فكذلك فليكن بالثلاثة في الحرّة.
وأما خبرنا فالصحيح الثابت في كلّ أمر أنّ [٩٤] ابن عمر رضى الله عنهما طلّق امرأته وهي حائض ، فأمره النبىّ صلى الله عليه وسلم أن يراجعها ، ثم يمسكها حتى تحيض وتطهر ، ثم تحيض وتطهر ، ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلّق ، فتلك العدّة التي أمر الله تعالى بها أن يطلّق لها النساء ، وهذا يدلّ على أنّ ابتداء العدة طهر فمجموعها أطهار.
[والتنقيح و] (٤) الترجيح : خبرنا أولى من خبرهم ؛ لأنّ خبرنا ظاهر قوىّ في أنّ الطّهر قبل العدّة واحد أعدادها لا غبار عليه ، فأما إشكال خبرهم فيرفعه أنّ المراد هنالك أيضا هو الطّهر ، لكن الطهر لا يظهر إلّا بالحيض ؛ ولذلك قال علماؤنا : إنها تحلّ بالدم من الحيضة الثالثة.
الفصل الثاني : من علمائنا من زاحم على الآية بعدد ، واستند فيها إلى ركن ، وتعلّق منها بسبب متين ؛ قالوا : يصحّ التعلق بهذه الآية من أربعة أوجه :
__________________
(١) في ا : تشغلوا.
(٢) في ا : فضلا بين المستفتين.
(٣) تتقامس : تضطرب.
(٤) من ل.