وتحقيق الأمر أنّ تقرير الآية عندنا : للذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهر ، فإن فاءوا بعد انقضائها فإنّ الله غفور رحيم ، وإن عزموا الطلاق فإنّ الله سميع عليم.
وتقريرها عندهم : للذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهر ، فإن فاءوا فيها فإنّ الله غفور رحيم ، وإن عزموا الطلاق بترك الفيئة فيها فإنّ الله سميع عليم.
وهذا احتمال متساو ، ولأجل تساويه توقّفت الصحابة فيه ، فوجب والحالة هذه اعتبار المسألة من غيره ، وهو بحر متلاطم الأمواج ، ولقد كنت أقمت [٩٢] بالمدرسة التاجية مدة لكشف هذه المسألة بالمناظرة ، ثم تردّدت في المدرسة النظامية آخرا لأجلها.
فالذي انتهى إليه النظر بين الأئمة أنّ أصحاب أبى حنيفة قالوا : كان الإيلاء طلاقا في الجاهلية ، فزاد فيه الشرع المدة والمهلة ، فأقرّه طلاقا بعد انقضائها.
قلنا : هذه دعوى. قالوا : وتغييرها (١) دعوى.
قلنا : أمّا شرع من قبلنا فربما قلنا إنه شرع لنا معكم أو وحدنا وأما أحكام الجاهلية فليست بمعتبرة ، وهذا موقف مشكل جدا ، وعليه اعتراض عظيم بيانه في كتب المسائل : الاعتراض حديث عائشة : كان النكاح على أربعة أنحاء ، فأقرّ الإسلام واحدا.
وأما علماؤنا فرأوا أنّ اليمين على ترك الوطء ضرر حادث بالزوجة ، فضربت له في رفعه مدة ، فإن رفع الضّرر وإلّا رفعه الشرع عنها ؛ وذلك يكون بالطلاق كما يحكم في كل ضرر يتعلّق بالوطء كالجبّ والعنّة (٢) وغيرهما ، وهذا غاية ما وقف عليه البيان ها هنا ؛ واستيفاؤه في المسائل ، والله أعلم.
المسألة الثالثة عشرة ـ قال أصحاب الشافعى : هذه الآية بعمومها دليل على صحّة إيلاء الكافر.
قلنا : نحن نقول بأنّ الكفّار مخاطبون بفروع الشرع بلا خلاف فيه عند المالكية ، ولكن لا عبرة به عندنا بفعل الكافر حتى يقدّم على فعله شرط اعتبار الأفعال ، وهو الإيمان ، كما لا ينظر في صلاته حتى يقدّم شرطها ؛ لأن زوجته إن قدّرت مسلمة لم يصح بحال ، وإن قدرت كافرة فما لنا ولهم؟ وكيف ننظر في أنكحتهم؟ ولعل المولى فيها هي الخامسة أو بنت
__________________
(١) في ا : وتعتبرها.
(٢) العنين : من لا يأتى النساء عجزا ، أو لا يريدهن.