السّافر ، وفي استخفافه بها ، إنّ ذلك لا تنساه قريش لعليّ أبدا ، ولو لا أنّها وجدت في قتل عليّ يومئذ إثارة فتنة تمزق وحدتها لشفت ما بصدرها منه ، ولكنّها تركته ، وانتظرت الأيّام لتسوي حسابها معه ... ولحقّ النّبيّ بالرّفيق الأعلى ، وترك عليّا وراءه بالأحداث ، ويكابد الشّدائد حتّى يلحق بالرّسول ... ألّا يبدو لنا من هذه الموافقات ما نستشف منه أنّ لعليّ شأنا في رسالة الرّسول ، ودورا في دعوة الإسلام ليس لأحد غيره من صحابة الرّسول».
وبعد ، فإنّ الأستاذ عبد الكريم الخطيب لا يمت إلى الشّيعة بأمّ ولا أب ، ولا بتربية وبيئة ، وإنّما نطق بوحي من ضميره ودراسته مجردا عن كلّ غاية ، فالتقى مع شيعة عليّ من حيث لا يريد ... ثمّ تنبّه للعواقب ، وخاف من تهمة التّشيع ، وثورة المتعصّبين من الشّيوخ ، فاتقاهم بقوله : «وبعد فهذه خطرات لا نحسبها على تلك القضيّة ، ولا نأخذ بها فيها». ولكن أسلوبك في التّعبير ـ أيّها الأستاذ الكريم ـ ينم عن شعور قلبك وإيمانه ، لا عن خطرات خيالك ووساوسه ، إنّ هذه الخطرات والوساوس تتجلى في اعتذارك بقولك «لا نأخذ بها فيها» إنّ هذا الأسلوب إن دلّ على شيء فإنّه يدلّ على الشّك والحيرة والارتباك. وعلى أيّة حال فأنت معذور لقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) (١).
قدّمنا أنّ الدّعوة الإسلامية مرّت بثلاث مراحل أساسية :
الأولى : مجرد الإيمان والإعلان مع الثّبات والصّبر على الأذى.
والثّانية : ردع العدوان.
__________________
(١) آل عمران : ٢٨.