تخاذلون ، أجل والله ، الخذل فيكم معروف ، وشجت عليه أصولكم ، وتآزرت عليه فروعكم ، وثبتت عليه قلوبكم. وغشيت صدوركم ، فكنتم أخبث ثمرة : شجي للناظر ، وأكلة للغاصب.
ألا وإنّ الدعيّ ابن الدّعيّ قد ركز بين اثنتين بين السّلّة والذّلّة ، وهيهات منّا الذّلّة ، يأبي الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ، وجدود طابت ، وحجور طهرت ، وأنوف حميّة ، ونفوس أبيّة ، لا تؤثر طاعة اللّئام على مصارع الكرام .. (١).
أما والله لا تلبثون بعدها إلّا كريثّما يركب الفرس ، حتّى تدور بكم دور الرّحي ، وتقلق قلق المحور ، عهد عهده إليّ أبي عن جدّي رسول الله صلىاللهعليهوآله : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ) (٢) ؛ (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)(٣).
وقال الحسين ، حين بلغه مقتل ابن عمّه مسلم : «وأيم الله لتقتلني الفئة الباغية ، وليلبسنّهم الله ذلا شاملا ، وسيفا قاطعا» (٤).
ليس هذا القول تنبأ بالصّدفة ، وأخذا من مجرى الحوادث. كلّا ، وإنّما هو كما قال الإمام عهد من الله سبحانه إلى نبيّه محمّد ، ومنه إلى أمير المؤمنين ، ومنه إلى الإمام الشّهيد ، وقد صدق التّأريخ ذلك ، وما نقص منه شيء ، فلم يلبث قاتلو
__________________
(١) انظر ، تأريخ الطّبري : ٥ / ٤٢٥ ـ ٤٢٦ طبعة سنة ١٩٦٤ م ، الكامل في التّأريخ : ٣ / ٢٨٧ ـ ٢٨٨.
(٢) يونس : ٧١.
(٣) هود : ٥٦.
(٤) انظر ، الفتوح لابن أعثم : ٥ / ٧٩ ، مقتل الحسين عليهالسلام للخوارزمي : ١ / ٢٢٦ ، مثير الأحزان : ٤٦ ، أعيان الشّيعة : ١ / ٥٩٥ ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ٢٩.