وهذا الجواب يحدّد لنا سلوك الحسين في حياته كلّها ، ولا يدع قولا لقائل ، وإنّه يسير بأمر الله ، وعلى سنّة جدّه محمّد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فلقد أوقع النّبيّ صلىاللهعليهوآله صلح الحديبية مع مشركي مكّة بأمر الله ، ومحا كلمة بسم الله الرّحمن الرّحيم ، ومحمّد رسول الله من كتاب الصّلح بأمر الله (١) ، ورضي أبوه بالتّحكيم يوم صفّين بأمر الله(٢) ،
__________________
(١) في سنة خمس للهجرة خرج النّبيّ من المدينة إلى مكّة في ناس من أصحابه يريد العمرة ، فمنعه المشركون من دخولها ، ثمّ وقع الصّلح بينه وبينهم على أن يترك العمرة هذه السّنة إلى السّنة القادمة فيدخل مكّة بلا سلاح ، وأمر النّبيّ عليّا أن يكتب كتاب الصّلح ، فكتب بسم الله الرّحمن الرّحيم : هذا ما قاضى عليه محمّد رسول الله ، فأبى المشركون إلّا محو البسملة والشّهادة لمحمّد بالرّسالة ، فقال النّبيّ للإمام : أمح. فقال الإمام : إنّ يدي لا تنطلق بمحو اسمك من النّبوّة ، والتفت إلى مندوب المشركين ، وقال له : أنّه رسول الله رغم أنفك ، فتولى النّبيّ صلىاللهعليهوآله المحو بنفسه. (منه قدسسره).
انظر ، سنن التّرمذي : ٥ / ٢٩٨ ح ٣٧٩٩ ، الفضائل لأحمد : ٢ / ٦٤٩ ، مسند أحمد : ١ / ١٥٥ ، المستدرك للحاكم : ٢ / ١٣٧ ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٤٨ ، مروج الذّهب : ٢ / ٤٠٤.
(٢) لقد تكلّم الشّارحون عن حرب الخوارج ، ومروقهم ، وأطال المؤرخون الحديث عن أحوالهم ، ووضع فيهم العديد من المؤلفات ، ومن أحبّ معرفة التّفاصيل فليرجع إليها ، وإلى أقوال شارحي النّهج ... وغرضنا الآن أن نشير إلى موقف أمير المؤمنين عليهالسلام منهم ، ويتلخص بأنّه حاول جهد المستطاع أن لا يهيجهم في شيء. ومن جملة ما قال لهم : «ألم أقل عند رفع المصاحف : إنّ معاوية ورهطه ليسوا بأصحاب دين ، ولا قرآن ، وإنّما هم يكيدون ، ويخدعون ، ويتّقون حرّ السّيف؟. فأبيتم إلّا إيقاف القتال ، والكف عنه ، وإلّا التّحكيم ، وإلّا الأشعريّ .. فرضيت مكرها خوف الفتنة ، ورضوخا لأهون الشّرين .. وأيضا قلت لكم بعد التّحكيم : أخذنا عليهما ألّا يتعدّيا القرآن فتاها عنه ، وتركا الحقّ ، وهما يبصرانه ، وكان الجور هواهما فمضيا عليه»؟.
انظر ، نهج البلاغة من كلام له عليهالسلام رقم (١٢٧) ، البداية والنّهاية : ٩ / ٣٣٩ ، الإحتجاج : ٢ / ٥٨ ، الإرشاد : ٢ / ١٦٥ ، أنساب الأشراف : ٢ / ٣٥٧ ، الأخبار الطّوال : ٢٠٩ ، تأريخ ابن خلدون : ق ٢ / ج ٢ / ١٧٧ ، ينابيع المودّة : ٢ / ٢٠ ـ ٢١ ، وقعة صفّين : ٥١٧ ، الإمامة والسّياسة : ١ / ١٦٨ ، الكامل لابن الأثير : ٢ / ٤٠٤.